كان واضحا منذ أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية منتصف شهر فبراير الماضي عن قيام أمين عام الأمم المتحدة بزيارة للبلاد يوم 6 مارس ستكون مخصصة لمف قضية الصحراء ، أن جانباً &مما يؤديه بان كي مون لتعزيز متطلبات منصبه في ضوء ما يجري في كواليس المنظمة الدولية ينفي عنه صفة الحَكم الذي ينظر للقضايا الدولية بنظرة حيادية متوازنة لا تشوبها شائبة تتصف بأمانة العرض ومصداقية التنفيذ .. &
بادرت العاصمة المغاربية بالإعلان عن تحفظاتها تجاه هذه الجولة من منطلق أنه عمل علي فرض وجهة نظره وأجندة جولته علي المملكة بما لا يتوافق مع سياساتها بصفتها الطرف الأساسي الفعال وربما الوحيد في كل ما يتعلق بهذا ملف ، فالاعلان عن هذه الزيارة ..&
- خرج من قلب الجزائر العاصمة دون أن يأخذ في الإعتبار إرتباطات ملك المغرب في هذا التوقيت ..&
- ولم يراع قواعد الدبلوماسية الدولية التى تفرض عليه أن لا يرتب لزيارة منطقة " بئر لحلو " الواقعة فوق أراضيها بإعتبارها معسكراً لقوات الحفظ السلام " قاعدة المينورسو " دون موافقة من جانبها ..&
- خاصة وأنه لن يزور مقر بعثة الأمم المتحدة بمدينة العيون التى حرص الأمين العام السابق كوفي عنان علي زيارتها عام 1998 ضمن زيارته للرباط ..&
ولكي نتفهم أبعاد هذا الموقف من جانب الرباط ، نضيف ..&
1 - أنها إعتراضت فوراً علي دعم مؤسسة الرئاسة الجزائرية لمبدأ تقرير المصير الذي تطالب به جبهة البوليساريو " الإنفصالية " والذي خالف شكلاً وموضوعاً مبادرة الرئيس الجزائري لفتح صفحة جديدة للتعاون " مع المغرب الشقيق لمواجه تحديات المرحلة الحالية علي مستوي إتحاد المغرب العربي المتطلع للوحدة " ..&
2 - توضيحها المستمر أن إذابة البرود الذي يسود العلاقات بين الشعبين الجزائري والمغاربي يحتاج لخطوتين هامتين .. الأولي فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ عام 1994 بقرار من جانب واحد ، والثانية اتخاد موقف حيادي فيما يتعلق بقضية الصحراء ..
3 – موقفها المعارض لأداء المبعوث الأممي للتنسيق حول قضية الصحراء الدبلوماسي الأمريكي كيستوفر روس ، لأنه يؤسس كافة مقتراحاته في ضوء رؤية آحادية تعكس فقط وجهة نظر الطرف الجزائري الذي تعتبره الرباط " مشارك بقوة في تعطيل مسار التفاوض بينها وبين البوليساريو ..&
4 - تأكيدها المستمر لدي المنظمة الدولية ان حكومة الجزائر وجبهة البوليساريو لا يلتزمان بما تصدره المنظمة الدولية من قرارات وآخرها قرار مجلس الامن رقم 2218 الذي طاللب بـ " عمل احصاء ساكني لمخيمات تندوف بالجزائر " لأستكمال أوارق الملف الذي سيُعرض علي المجلس الأممي في الأسبوع الأخير من شهر ابريل القادم حتي يتسني له النظر في مد عمل بعثة المنظمة الدولية في المنطقة لعام قادم ..&
كافة الدلائل تؤكد أن بان كي مون بإنحيازه لوجهة النظر الجزائرية المشكوك في بواعثها ووصفه المناطق الصحراية التى استردها المغرب من الإحتلال الأسباني عام 1976 بغير حقيقتها ، أهمل عن عمد التباحث مع ممثلي الرباط حول سبل إيجاد حلول واقعية تنهي الأزمة التي نشأت بدعم خارجي بين عدد قليل من سكان الأقاليم الصحراوية التابعة للممكلة المغربية فور إنسحاب قوات الاحتلال الأسباني منها ..
اما إدعاؤه أنه بزيارته للمنطقة " ضَمن " لقضيتها أن توضع علي الأجندة الدولية ضمن فاعليات عامه الأخير كأمين عام للمنظمة الدولية ، فلم يُقنع أي طرف من الأطراف الدولية ذات الصلة المباشرة بهذا الملف .. &
وتؤكد أيضاً أنه ينكر عن عمد وسوء قصد أن التواجد المركزي لسلطة الدولة المغاربية في الأقاليم الصحراوية والذي يُعد إمتداداً طبيعياً للمسيرة الخضراء التى بدأت منذ أكثر من 40 عام ، أنتج خطط تنموية وإصلاحية وفرت قسط &كبير من الحياة الكريمة لأبناء هذه الأقاليم ..&
وتكشف أن الموظف الأممي الكبير لا يريد أن يتكلف مشقة دفع حكومة الجزائر وجبهة البوليساريو إلي الإعتراف بإيجابيات السياسة المغاربية في هذه الأقاليم وما أفرزته من مزايا لمواطنيها المتساوون في الحقوق والواجبات مع أبناء المملكة ، وما يعكسه ذلك من رفض لقيام دويلة قزمية هشة في هذه المنطقة ..&
لذا سارعت العديد من الأطراف الدولية إلي إدانة الزيارة ونتائجها دون تحفظ لأنها جميعاً تدرك إستحالة إجراء الإستفتاء الذي تدعمه الجزائر لثلاثة أسباب جوهرية ..&
الأول .. أن تقارير الأمم المتحدة توقفت تماماً الإشارة إليه منذ عام 2004 ، ومن ثم تُعد المطالبة به تجاوزاً خطيراً لقرارات الأمم المتحدة ورؤيتها الواقعية لملف القضية برمته ..&
والثاني .. لأنه من الصعوبة بمكان وضع معايير واقعية يمكن من خلالها تحديد من هو الصحراوي الذي يحق له المشاركة في مثل هذه العملية ..&
والثالث .. لأنها لا تثق في إمكانية توفير البيئة المواتية للصحراويين المقيمين في مخيمات تندوف بجنوب الجزائر للأختيار الحر لأنهم تحولوا " إلي رهائن " بيد جبهة البوليساريو لأكثر من ثلاثة عقود ..&
قال الناطق باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال أن باريس تجدد دعمها للمقترح المغاربي الذي يفتح الطريق لإقامة حكم ذاتي في الصحراء الغربية ، وذلك لتلافي النتائج السلبية للرأي المطالب بإجراء إستفتاء حول تقرير المصير الذي تطالب به الجزائر والجبهة ، لصعوبة تنفيذه وللخشية من تداعياته من جهة .. ولأن حل الحكم الذاتي يمثل من جهة ثانية حل عادل ودائم للقضية تحت إشراف الأمم المتحدة ..&
وعبر البيان الختامي للإجتماع الوزاري الخامس المشترك بين وزراء خارجية دول الخليج والأردن والمغرب ( 9 مارس ) بالرياض عن تأكيد دعمهم لـ " مبادرة الحكم الذاتي الجدية ذات المصداقية التى تقدمت بها المملكة المغاربية كأساس لأي حل تفاوضي لإنهاء مشكلة اقليم الصحراء ، باعتباره سيوفر التأسيس الواقعي لأدارة الاقليم ضمن السيادة المغاربية " ..&
هذا الدعم الأوربي مضافا إليه الدعم العربي شجع الرباط علي ..&
أولا .. اتخاذ قرار سيادي بـ " إجراء تقليص ملموس " في المكون المدني وخاصة الشق السياسي منه علي مستوي بعثة الأمم المتحدة في إقليم الصحراء ، غادر علي أثره حوالي 80 موظف مطار العيون إلي أسبانيا يومي 19 و 20 من الشهر الحالي ..&
ثانيا .. إلغاء المساهمة الإدارية التى تقدمها المملكة لسير عمل البعثة ..&
ثالثا .. تدارس إمكانية إتخاذ قرارات مستقبلية تفضي إلي سحب التجريدات المغاربية المنخرطة في علمية حفظ السلام في الإقليم ..&
وفشلت محاولات أمين عام الأمم المتحدة في دفع مجلس الأمن إلي إدانة المظاهرات التى عمت العاصمة المغاربية والعديد من مدن الممكلة منددة بما بمواقفه غير الحيادية وتوصيفاته السياسية التى لا تمت للواقع بصلة ، باعتبارها تمس شخصه وتقلل من رمزية منصبه العالمي !! لهذا كانت صدمته كبيرة حين أوصي قراره &مساء 17 الجاري بـ " التحرك ثنائياً مع الرباط لتوفير سبل عودتها للتفاوض حتى لا تزداد مساحة التناقض معه علي مستوى المنظمة " ..&
رحبت الخارجية المغربية بالقرار الأممي وقالت أنه اتصف " بالمسئولية والرزانة " لأنه أخذ في اعتباره كافة حيثيات موقف الحكومة ، ورفض شخصنة القضية " ..&
وقالت بعثة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة ( السبت 19 الجاري ) أنها تؤيد الخطة التى طرحها المغرب لمنح إقليم الصحراء الغربية حكماً ذاتياً لأنها تراها " جاجة وواقعية وذات مصداقية ، وتمثل منحي قد يستجيب لتطلعات أبناء الصحراء الغربية " ..&
لذلك نري ..&
ان تكاتف عضوي مجلس الأمن الدائمين فرنسا وأمريكا ، بدعم من أعضائه غير الدائمين كمصر وأسبانيا والسنعال واليابان من شأنه أن يمهد الطريق لإصدار توصية أممية تتضمن ..&
أ – التأكيد علي ضرورة إلتزام امين عام المنظمة بقرارتها دون تحريف او تورية ..&
ب – تحديد جدول زمني لعمل الإحصاء السكاني لمخيم تندوف بالجزائر ، تحرم بعده جبهة البوليساريو من المشاركة في تحديد مستقبل الإقليم ..&
ج – تقديم كامل الدعم الأممي للمملكة المغربية علي مستوي المستشارين والحقوقيين لتعزيز برنامج الحكم الذاتي بإقليم الصحراء المغربية وفق جدول زمني متوافق عليه ..&
ونؤكد من جانبنا أنه في حالة صدوره سيمثل الأرضية الصالحة لبدء تحرك فعلي لأنهاء الصراع في هذه المنطقة من الشمال الإفريقي بدلا من الاكتفاء بإدارته ..&