&أيقن بأن دوام جهلك وزهوك وسذاجتك هو أهم انتصارٍ تقدمه لعدوك
&
يُحكى عن رجلٍ من منطقة عفرين اسمه محمد حنان حسين وهو الملقب في المنطقة بـ: (حوبو) إذ يُقال عن السيد حوبو أنه قضى12 سنه من عمره في السجون السورية، من غير أن يكون قد ارتكب جرماً بعينه، إنما كان في كل مرة يخضع للاستجواب مِن قبل الجهات الأمنية ومن ثم يُسجن، لأنه كان قد تباهى بين الناس بارتكاب أفعالٍ هو حقيقة لم يرتكبها، ولكنه ولسذاجة سجيته كان ينسب لنفسه أيّ فعلٍ شنيعٍ يحدث في المنطقة، تلك الوقائع أو الجرائم التي كانت تحصل من حينٍ لآخر، إذ أن الرجل ومن خلال تبني تلك المقابح كان يشعر بأهمية ذاته بين العامة، ويبلغ منتهى النشوة عندما يسمع الناس من حوله وهم ينطقون باسمه كمشاركٍ في أي حدثٍ يُشغل بال سكان المنطقة ككل.&
فقصة حوبو كنا نسمعها في المنطقة ونحن في مرحلة الطفولة، ولكني تذكرت تلك الشخصية منذ أيام بعد أن تبنت إحدى الجهات الكردية تفجير أنقرة، مدعيةً بأنها مَن قامت بالعملية تلك، ذلك التبني الذي جاء متناغماً تماماً مع رغبات الحكومة التركية التي كانت قد تخبطت منذ البدء في كيل الاتهامات، إذ أن السلطات التركية كانت قد أصرت بدايةً على أن منفذ الهجوم الانتحاري هو صالح نجار وهو كردي من مدينة عامودا السورية ومنتسب لحزب الاتحاد الديمقراطي، ولكن لعدم توفر البراهين على ذلك الادعاء المبني أساساً على تحميل الغريم أي عملٍ مشين في العالم، وكما هو معروف فالغريم الذي تتحسس من وجوده الدولة التركية حالياً هو حزب الاتحاد الديمقراطي، أي الرديف الأيديولوجي لحزب العمال الكردستاني الذي يتسنم مقام العداوة لدى الدولة التركية منذ عشرات السنين، لذلك فقد جاء تبني ذلك التنظيم المسمى "صقور حرية كردستان" والمُقرب حسب الادعاء المنشور من حزب العمال الكردستاني، كبطاقة اليانصيب التي يحصل عليها المفلس في الوقت المناسب، إذ وبناءً عليه غيّرت السلطات التركية مؤشر الاتهامات السابقة، وراحت تؤكد مجدداً على أن القائم بالعملية الانتحارية هو من بلدة فان بتركيا شرقي البلاد واسمه “عبدالباقي سونميز” وأن أباه أي موسى سونميز، أكد للسلطات المحلية بأن صاحب الصورة المنشورة لانتحاري أنقرة الذي استهدف حافلة لموظفين بهيئة الأركان التركية والتي راح ضحيته 28 عسكرياً و61 جريحاً تعود لابنه. &
عموماً فسواءً أكان تبني العملية من قِبل تلك الجهة التي خرجت فجأة من مصباح السياسة الى الاعلام بعلم أو بدون علم المتبني نفسهُ، فإن ذلك التبني كان بمثابة الانقاذ السريع للحكومة التركية من الحرج أمام وسائل الإعلام المحلية والمجتمع الدولي وبالأخص أمام حلفاء تركيا وأصدقائها في حلف الناتو.
لذلك فإن التخبط والاتهامات العشوائية التي ظهرت فور التفجير من قِبل الدولة، والمسارعة مِن قِبل تلك الجهة الى تبني العملية، جعلنا نراجع تاريخ العمليات العسكرية أو الانتحارية ضد عشرات القرى والمواقع في تركيا منذ ما يزيد عن عشرين سنة، والشك بأنه ربما كانت أغلب العمليات التي تبنتها الأوبة الأوجلانية هي أصلاً قد لا تمت إليهم بصلة، وأن الجماعة ربما كان حالهم كحال السيد "حوبو" تراودهم حالة الافتخار والمباهاة بما لم يقترفونه، أي أنهم ربما من باب التباهي وحب الظهور بين الاتباع وأمام الشارع الكردي عامةً بمظهر القوي، عزوا كل تلك المقابح إلى منظومتهم، وأنهم كانوا كل مرة ينسبون الى ذواتهم تلك الأعمال الارهابية أو الانتحارية في تركيا لدوافع سخيفة، وذلك من دون أن تكون لهم يدٌ في أغلب تلك الأعمال، وأنه ربما كانت هنالك جهات أخرى هي عادةً من تقوم بتلك العمليات وتنسبها الى الحركة الأوجلانية، والفريق الأوجلاني كالعادة جاهزٌ لتصديق ذلك النبأ بسرعة البرق، والمسارعة بعدها للتفاخر بالعمل الشنيع أمام الأعداء، وكذلك أمام أغرارهم أجمعين.
بل نرى بأن هذا التنظيم أي حزب العمال الكردستاني الذي بلغ الطوسنة في العديد من مواقفه الادعائية، كثيراً ما يُعيد الى أذهاننا مغامرات "مونشهاوزن"، تلك المغامرات التي دونها الكاتب الألماني رودلف اريك راسب، في كتابٍ حمل اسمه، حيث كان مونشهاوزن مثله مثل الكثير من قادة حزب العمال الكردستاني شخصية واقعية وموجودة حقيقةً في ألمانيا، وقد عاش في القرن الثامن عشر بمنطقة هانوفر، ويُدعى هيروغوس كارل فريدريك فون مونشهاوزن، &وكان برتبة نقيب في سلاح الفرسان واشترك حسب مؤرخي الأدب في حربين منفصلتين مع الاتراك بين عامي 1737 ـ 1739 ثم استقال وتقاعد عام 1752، فكان السيد مونشهاوزن عادةً ما يمتع أصدقاءه بحكاياته الخرافية التي كان يدمج فيها الخيالي والخارق مع اليومي والمألوف والعادي، بل ومن فرط تشطيحه الخيالي ومبالغاته في حكاياته لقّبه الناس من حوله بـ: البارون الكذاب، لأنه كان ينسب لنفسه أحداث وأشياء لا تمت لا له ولا إلى الواقع بصلة، كما هي تماماً حالة الكثير من أنصار ومريدي حزب العمال الكردستاني الذين اتبعوا نهج مونشهاوزن بعد أكثر من قرنين على رحيل صاحبه.
فحقيقةً إن مَن يقرأ ويتمعن بمسيرة هذا الحزب لا يغيب عن باله هذا الجانب الساذج في شخصيات بعض قادته والكثير من أتباعه، وما يزيد من اشتباهانا بقصة الأعمال التخريبية التي نُسبت منذ عشرات السنين الى هذا الفصيل، هو هذا الجانب الاشكالي في بنية معظم قادته الحاليين، فما يزيد من شكوك المرء هو أنه إذا كنا حالياً في هذا العصر التكنولوجي والاعلامي الهائل حيث من الصعب أن يصدق الناس ما تقوله لهم، إن لم يرافق المقول البرهان القاطع على ما تدلقه في أسماعهم، ومع ذلك انطلت الألعوبة بسهولة (أي تفجير أنقرة ومن قام بها) على هذا الفصيل ومريديه، فكيف الحال إذن مع كل العمليات السابقة والتي اتُهم بافتعالها هذا الحزب في زمن الغياب الاعلامي التام في كل مناطق الأحداث شمال شرقي البلاد؟ حيث كان إعلام الدولة وحده يقول ويثبت التهمة بدون أن تكون هنالك جهةً أو نفراً بمقدوره الاعتراض على ذلك الاتهام، بل ويظهر أن العكس تماماً هو ما كان يحصل على الأغلب كما هو حاصلٌ الآن، إذ من المحتمل جداً أن كوادر ودهماء ذلك الحزب كانوا كعادتهم يفتخرون بتلك الأعمال الارهابية ويعتبرونها من انجازات حزبهم المناضل، بل ويسردون بفخرٍ كل تلك التلفيقات الإجرامية المنسوبة إليهم أمام الملأ وهم بكامل حلتهم المونشهاوزنية بالقَصِ منتشين.&
&
عفرين: منطقة واقعة في أقصى شمال مدينة حلب السورية.
&
التعليقات