&
&لم تعتد العقلية السياسية العربية سابقا سياسة الحوار والتفاوض والأخذ والرد والتنازلات المتبادلة وصولا إلى صيغة اتفاق مقبولة من الطرفين المتنازعين كلما كان ذلك ممكنا. وحين ننظر إلى عراق اليوم فلابد من التوصل إلى دور التشنج السياسي والتصعيد والانسياق وراء شعار "إما الكل أو لا شيء". كنا نتجاهل كل خطوة جيدة تخطوها هذه الحكومة أو تلك لمجرد أن ذلك ى يكفي وأن تلك الحكومة غير ديمقراطية.
ومع الأزمات العربية الساخنة في سوريا واليمن وليبيا صرنا نشاهد المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين المتنازعين برعاية "أممية" وإشراف ومتابعة هذا المبعوث الدولي الخاص أو ذاك.
وفي رأيي أنه ÷ذا كانت المفاوضات مجدية ومطلوبة فإن ما يجري حاليا لا سيما في سورية يسير نحو فائدة الطرف المعتدي أي النظام السوري. وفي اليمن لمصلحة الحوثيين وصالح الذين يجيدون خبث المناورة على الطريقة الإيرانية. إن هذه المفاوضات تجري بضغوط دولية مكثفة من الولايات المتحدة وروسيا ذلك لأنه في هذه الأزمات يتداخل المحلي مع الدولي والإقليمي. وهذا بارز جدا في سورية حيث أصبح الملف كله في يدي بوتين برضى أميركي تام.
إن الأطراف المعتدية تنتهك الهدنات ولا تلتزم بما اتفق عليه ولكن المبعوثين الدوليين يواصلون الضغوط على الأطراف الأخرى لمواصلة التفاوض من أجل المفاوضات باسم التوصل إلى حل "سلمي" لا يبدو أنه سيؤدي إلى نتائج إيجابية لصالح الشعوب فيما لو استمرت المفاوضات على هذا المنوال.
يبدو لنا أن موازين القوى المحلية في اليمن مثلا كانت تسير إلى حل عسكري لصالح الشرعية فجاءت الضغوط الدولية لتدفع بالطرف الشرعي على طاولة مفاوضات يستغلها الطرف الآخر إلى ردع من جانب المبعوث الدولي ومَن وراءه، والذي يضع الطرفين على مستوى واحد. وفي سورية يستغل النظام وإيران وروسيا هذه المفاوضات لاحتلال المزيد من الأرض واستمرار القتل والتدمير لتغيير موازين القوى لصالح النظام.
وفي الحالة الليبية فنحن نرى أن الاتجاه الدولي لدعم حكومة الوفاق سليما غير أن هناك عقبات كبرى متمثلة في الانقسامات القبلية والنزعات العسكرية وداعش وغير ذلك. لقد كان التدخل الغربي في ليبيا سلبيا لا ايجابيا لأنهم تركوا الأمور في وسط الطريق فاختلط الحابل بالنابل.
وعلى هذا النحو، فإذا كان التصلب والتزمت في العمل السياسي كبير الضرر، فإن أية مفاوضات بين أطراف داخلية متنازعة تتطلب موازين القوى والحياد الدولي وعدم وضع المعتدي في كفة واحدة مع المعتدى عليه. وهذا ما نفتقره اليوم. فالتفاوض والأخذ والرد في الحروب الأهلية ضروري لو توفرت الشروط اللازمة، ولو أدت إلى حل سلمي يخدم هدف الانتقال إلى غد أفضل بشرط معالجة أسباب المشاكل (إزاحة الأسد مثلا وخلق المناخ المناسب للسير نحو الديمقراطية). أما إن كانت المفاوضات تدور في حلقات مفرغة فحين ذاك يفرض حل القوة نفسه تحقيقا لشعار "لابد مما ليس منه بد"، رغم أن مثل هذه الحلول محفوفة بعواقب سلبية كاستثارة غرائز الانتقام والتربص والتآمر وترك جراح لا تندمل.&
أما إن عدنا إلى أزمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن التفاوض المباشر يفرض نفسه ولا طريق سواه.

&