&

في الثامن و العشرين من شهر حزيران، تم إستهداف مطار أتاتورك في اسطنبول الذي يعتبر ثالث أكبر مطار في اوروبا، كونه يستقبل أكثر من مليون مسافر في الاسبوع الواحد، من قبل ثلاثة إرهابيين يحملون الجنسية الاوزبكية و القرغيزية و الروسية والذين أمطروا المسافرين و رجال الامن معا،ً بوابل من الرصاص ومن ثَمَ فجروا أنفسهم في أماكن عدة من المطار متسببين في مقتل 44 شخصاَ وجرح مئات آخرين.&

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو، من الفاعل؟ المتهمون التقليديون هم إما داعش أو عناصر حزب العمال الكوردستاني. من المعلوم ان هجمات حزب العمال تستهدف مقار و تجمعات البوليس و الجيش التركي و لا تستهدف المدنيين بشكل عشوائي و متعمد. الهجوم الحالي إستهدف المدنيين و المسافرين الآمنين في المطار و يشبه الى حدٍ كبير الهجمات التي شُنَت من قبل داعش في باريس و مطار بروكسل، و لهذا، إتهم رئيس وزراء تركيا داعش بالوقوف وراء هجوم اسطنبول و اعتبره المتهم الرئيسي في ما حدث.&

السؤال الأكثر إلحاحاً، هو، لماذا ضربت داعش تركيا، بهذه الشراسة؟ لقد كانت هناك هجمات داعشية سابقة في عام 2015، ضربت مدن، دياربكر، سروج، أنقرة، و مرتين في اسطنبول، استهدفت مجمعات ايديولوجية محددة مثل المنتمين لليسار التركي، العلمانيين، والموالين لحزب العمال الكوردستاني، أما هجمات اسطنبول فإستهدفت أماكن سياحية محددة. و لكن عندما يستهدف هدف مدني بحت مثل المطار، فإن تأثيره على قطاع السياحة المتدهور أصلاً سيكون كبيراً، بالإضافة الى الإساءة المبيرة لسمعة تركيا في المجتمع الدولي.&

من الاسباب التي قد تبرر هذه الهجمات: فتح قاعدة انجرليك العسكرية امام الطائرات الأمريكية لقصف داعش التي اصدرت بياناً نددت فيه بالخطوة التركية و اعتبرتها دولة كافرة و هددت فيه بإحتلال اسطنبول؛ والرد العسكري التركي على القصف التي تقوم به داعش ضد مدينة كليس التركية، تجاهل تركيا للهجوم الذي تقوم به قوات سوريا الديموقراطية المدعومة أمريكياً ضد داعش في مدينة منبج الاستراتيجية. و بالنتيجة، بدأت داعش تَحُدٌ شفرتها ضد تركيا. و حسب التقرير الذي أعده، الصحفي التركي هاندي فرات، كانت الاستخبارات التركية قد حَذًرت العديد من مؤسسات الدولة التركية في بداية شهر حزيران الجاري من احتمال تعرضها الى هجمات انتقامية من داعش و منها مطار اسطنبول، و خاصة بعد غلق تركيا مُكرَهةَ (بعد الضغط الامريكي و الدولي المتكرر على تركيا)، للبوابة الحدودية التي كانت تعبر من خلالها عناصر داعش من الملتحقين الجدد.&

الأمر الذي يثير الفضول، هو، في الوقت الذي تفتخر فيه داعش بالعمليات و الهجمات التي تقوم بها في اوروبا و في العراق وسوريا و مصر وليبيا و أمريكا و غيرها من أصقاع العالم، و لكنها لم تَتَبَنً اية عملية قامت بها في تركيا!. البعض يعزو ذلك الى ان الهجمات في اوروبا تستهدف "الكفار" حسب العقيدة الداعشية و بالتالي تجد من يتعاطف معها. أما الهجمات في تركيا السنية المسلمة، من الصعب تبريرها نوعاً ما و قد لا يتعاطف معها الكثيرون.&

وهناك سؤال آخر يطرح نفسه بقوة وهو، مالذي يمكن أن يفعله صناع القرار الاتراك للسيطرة او تحديد خطر داعش عليهم؟ الخطر الذي إستغرق منهم وقتاً طويلاً حتى أدركوه و إعترفوا به، رغم التحذيرات التي وجهت للاتراك من قبل دول العالم الصديقة لها و غير الصديقة،ة بضرورة الكف عن تقديم الدعم اللوجستي و الطبي و المعلوماتي لهذه المنظمة الارهابية طيلة السنوات الاربع الماضية و التي تغاضت عنها تركيا بل وأنكرتها تماماً.

الأمر الآخر الأكثر أهميةً و استراتيجيةً هو، هل تستطيع تركيا ان تواجه حربين في آنً واحد، ضد داعش و ضد حزب العمال الكوردستاني معاً؟، خاصةً اذا علمنا انه في الجانب الآخر من الحدود التركية السورية، هناك حرب اخرى دائرة بين حزب الاتحاد الديموقراطي الكوردي الموالي لحزب العمال الكوردستاني و بين داعش. و هل لا تزال هناك فرصة لإحياء عملية السلام بين حزب العمال الكوردستاني و الحكومة التركية بعد أن أمر أردوغان بوقفها بين الطرفين و البدء في شن حرب عشواء ضد الكورد في تركيا و خارج تركيا و التي سوف تستمر الى "يوم القيامة" حسب ما تشدًق به السلطان مراراً في خطاباته العنترية. ألا يؤدي تحقيق السلام بينه و بين الكورد الى تكثيف الجهود و الطاقات و تركيزها على داعش وحدها خاصة اذا ما تمكنت تركيا من التنسيق مع حلفائها الأمريكان و الأوروبيين في سوريا بصدق و جدية.&

إعادة إحياء عملية السلام مع الكورد في تركيا سوف تعود بالفائدة على الشعبين التركي و الكوردي معاً، لان تركيا تستطيع ان تتفاوض و تتفاهم بسهولة مع الكورد و لكنها لا تستطيع ان تتفاوض مع داعش!.&

و إذا كان الترك لا زالوا يعيشون في الوهم الذي زَيًنَه لهم كَبيرُهم الذي عَلَمَهُم السِحر َأردوغان وهو ان داعش أقل خطورةً عليهم من الكورد، فإن غزوة مطار أتاتورك الدموية قد أثبتت لهم و لغيرهم، مدى الوهم الذي كانوا يعشعش في رؤوسهم و الخطأ الكبير في حساباتهم الاستراتيجية و الوطنية. أم أن الاتراك لا يزالون ينتظرون يوم القيامة التي بدأت أولى علاماتها في مطارمؤسس دولتهم الحديثة!.&

&و العقل ولي التوفيق.&