لا خلاف بين المراقبين علي ان الانقلاب الفاشل الذي وقع في تركيا قبل اسبوعين أو اكثر، حظي بمتابعة أوربية وغربية لم تترك أية ملاحظة حوله إلا و وضعتها تحت مجهر التحليل والتفنيد بسبب القرب الجغرافي والتعاون المعلوماتي والتبادل الأمني، أما التواجد البشري الكثيف للمهاجرين الأتراك في اكثر من دولة أوربية وبالذات في ألمانيا، فجعلهم يتابعون الموقف الداخلي بدقة ويفتشوا عن خباياه بصبر ويحللوا أسبابه بهدوء ويناقشوا بحيادة لماذا فشلت المحاولة؟ ليحددوا موضع خطوتهم القادمة.

من هنا جاءت انتقاداتهم الحادة لردود الفعل شديدة العنف التى أقدم عليها رئيس الجمهورية التركي وحكومته، والتى لا زالت متواصلة علي مدار الساعة.

الجديد الذي يشغلهم في اللحظة الراهنة هو الزيارة المرتقبة للرئيس التركي لروسيا، والقمة التي سيعقدها يوم التاسع من الشهر القادم مع الرئيس بوتين بمدينة بطرسبرج، والتي اتفق عليها الطرفان في ضوء قبول موسكو لرسالة أردوغان التى بعث بها في منتصف شهر يونية الماضي " مبدياً إعتذاره عن حداث اسقاط الطائرة الحربية الروسية علي يد قواته بلاده المسلحة، في شهر نوفمبر من العام الماضي ".

تقول بعض التقارير ان موسكو كان لها دور مبكر في تحذير أنقرة من إستعدادات علي مستوي قيادة القوات المسلحة التركية للقيام " بعمل داخلي ما " بعد ان اعترضت وسائل تصنتها القريبة من الحدود السورية التركية " لرسائل كانت بعض قيادات الانقلاب تتناقلها في اللحظات الأخيرة ".

وتقول تقارير اخري ان موسكو وقفت إلي جانب انقرة " خشية ان يكون الانقلاب قد أعد له بترتيب خاص مع واشنطن، للتقليل من مستويات تقارب الرئيس التركي من وجهة النظر الروسية التى تسعي لإبقاء الرئيس بشار الأسد في موقعه ولو بشكل صوري إلي ان يتم ارساء قواعد راسخة للسلام في سورية ".

روسيا قدمت ما لديها من معلومات، يبدو أن الطرف التركي أحسن استخدامها، وهي غير مهتمة من قريب او بعيد بقرارات الاعتقال والعزل والتطهير التى شملت جميع مؤسسات الدولة التركية تقريباً. ولا تخشي انقلاباً آخر. وتعي تماماً أن تركيا لن تعود إلي اواضعها الداخلية والخارجية التى كانت عليها قبل ليلة الإنقلاب السوداء. وهي علي يقين ان عدم العودة هذا، سينعكس بشكل إيحابي علي الملف السوري بكل تجلياته.

الغرب الأوربي والامريكي يهمه من يجري في الداخل التركي من زاوية التجربة الديموقراطية وإحترام القانون وعدم توسيع شقة الخلاف بين جنبات المجتمع. ويأمل ان تستقر الامور في هذا البلد بعد فرض حالة الطوارئ وتعليق العمل ببنود اتقافية حقوق الانسان&التى وقعتها أنقرة مع بروكسل منذ فترة زمنية. ليس فقط بسبب دور انقرة علي مستوي الحرب الدائرة في سوريا، ولكن علي مستوي إحتمال قيام بعض المهاجرين من سوريا والعراق بعمليات إرهابية داخل الدول الاوربية التى استقروا بها في المستقبل المنظور.

وفي حين شكر الرئيس التركي الرئيس الروسي علي موقفه المساند لنهج أنقرة في التعامل الأمني مع عناصر المؤامرة التى كانت تهدف إلي قلب نظام حكمه، وعبر عن تقديره لموسكو التى لم تشر من قريب او بعيد إلي " تفرده بالقرار " ولم تتناول " إملاءاته التشريعية " وبدت متفهمة لما يجري علي الساحة التركية الداخلية!!، ضرب عرض الحائط بتحذيرات ومخاوف بروكسل أن تؤدي حالة الطوارئ إلي فرض المزيد من القيود التي تقنن له ملاحقة كل من يعبر عن وجهة نظر تختلف مع ما يراه هو وحكومته.

إستهجن أردوغان في مقابلة له مع تليفزيون " فرنسا 24 الإنتقادات الأوربية، لأنها " تصريحات متناقضة " من وجهة نظره، واتهم قائلوها بأنهم " متعصبون ". وأكد أنه اضطر - بعد فرض حالة الطوارئ – إلي تمديد فترة إحتجاز المشتبه فيهم دون ان توجه إليهم تهم محدده، لأنه وجدها السبيل الوحيد " لكشف مؤيدي محاولة الإنقلاب بسرعة ".

المفوضية الأوربية تتوجس من إمكانية تنامي العوامل التي من شأنها - كما تري عواصم صنع القرار العالمية – أن تجلب لتركيا وديموقراطيتها عدم الإستقرار المجتمعي والأمني والمزيد من الفوضي الحاضنة للعمليات الأرهابية، خاصة بعد قرار حل الحرس الرئاسي.

تركيا تبدو غير مبالية في المرحلة الحالية بالموقف الذي تعبر عنه بروكسل، وغير حريصة علي استكمال اوراق ملف إنضمامها لعضوية الإتحاد الأوربي. في نفس الوقت تري ان تنسيق مواقفها مع موسكو فيما يتعلق بمستقبل دور المعارضة السورية سيقلل من الضغوط الداخلية التى تعاني منها حالياً، وسيزيد من كفة مطلب رفع العقوبات الاقتصادية الروسية التى فرضتها موسكو علي حكومة أنقرة – والتى لازالت سارية حتى اليوم - عقب حادث الطائرة، والتى تأثر بها ميدان الاستثمارات وكذا حركة السياحة إلي حد ملحوظ.

والأهم من ذلك ان يتوصل الرئيس التركي مع نظيره الروسي إلي تنسيق بين الطرفين يمنع تنامي قدرات أكراد سوريا العسكرية والسياسية إلي المستوي الذي يدفعهم للمطالبة فيما بعد بقيام دولة لهم علي حدود بلاده بدعم من واشنطن، التى تعمل علي تقوية سواعدهم بالمال والعتاد " بصفتهم طرف أساسي في محاربة الارهاب الذي تمثله داعش ".

الدولة التركية مهزومة ومأزومة. ورئيسها يبحث عن مخرج مشرف.

فهل يوفر له الرئيس الروسي هذه الفرصة ويقرب سفينته من بر الامان؟

&

[email protected]