في البداية يهدي المؤلف د. ضرغام عبد الله الدباغ كتابه هذ (قمر أبو غريب كان حزيناً. وقائع سجن أبو غريب قسم التحكام الخاصة- 1987- 2002)&الى عدد من رفاقه المناضلين القادة البواسل والذين كانت قضايا الامة العربية والوطن هاجسهم اليومي &ورحلوا بكبرياء تليق بالابطال.. صعد معظمهم اعواد المشانق وآخرون هدفا لرصاص الاغتيال او صمودا حتى الموت تحت سياط التعذيب او استشهدوا في ساحات القتال .

& &ثم يتحدث المؤلف في مقدمة كتابه عن الرفاق والاصدقاء والاخوة والزملاء الذين عاشوا تجربة سجن ابو غريب في الحقبة بين 1987 &و2002&قائلاً:&واقدر اعدادهم بحوالي 31000&–13500 &وإحتمالات الزيادة والنقصان قليلة.

& ويعود المؤلف الى ظروف اعتقاله يوم 5 كانون الثاني 1987 فيقول : كانت السلطات قد منعتني من السفر للعودة الى المانيا حيث تقيم عائلتي &( زوجتي وطفلان) ما زالوا يعيشون في ظروف &صحية ومعيشية ونفسية يصعب فيها الانتقال الى العراق.، وكنتُ قبل ذلك قد قدمتُ إستقالتي من وزارة الخارجية إحتجاجا على سوء المعاملة&حيث كنتُ من القلة القليلة من موظفي وزارة الخارجية خارج إطار عمل الحزب الحاكم ، كما انني&لم أكن من هؤلاء الذين يحرقون البخور ويطلقون المدائح والتزلف للقيادات.&، كما حرمتُ من راتبي التقاعدي وباءت كل الجهود للخروج من البلاد بصورة شرعية .اي بعد مضي ثلاث سنوات ونصف كانت جهودي لمغادرة العراق بصورة نظامية قد ذهبت ادراج الرياح واظهرت السلطات إصراراً متزايدا على إبقائي في العراق خلافا لارادتي . لكن السلطات كانت لا تقبل الا بالعمل الحزبي والتعاون ، وهو ما كان يتعذر عليّ القبول به، فغدت الحياة في بلادنا والعمل في مؤسساتها أشبه بالسير في حقل مليء بالالغام شديد الانفجار.&أو كالتعايش مع نمر كاسر في قفص واحد لا تدري متى ينقض عليك فيلتهمك. إذن لابد من من مغادرة البلاد وبأي ثمن. لذلك قمتُ عن طريق صديق موثوق هو صديق طفولتي وصباي الاخ ( بيرود الطالباني) بالاتصال به شخصية قيادية كردية معروفة وهو صديق قديم لي لتسهيل إنتقالي الى شمال&الوطن &ومنها السفر الى المانيا عن طريق تركيا او الاتحاد السوفيتي.&وكان الشخص الذي كلفته الشخصية القيادية الكردية للاسف عميلاً &للاجهزة الامنية . ، حيث كنا نبيت في داره استعدادا للسفر يوم 5 كانون الثاني 1987 القي القبض علينا نحن الثلاثة المتوجهين للخارج انا وأخي وسام وصديقنا سلام مدلول بالاضافة الى الصديق بيرود الطالباني. وصاحب الدار صديقنا الاخ كمال الشالي&وصديق آخر هو الاخ (آزاد ) كان رفيق رحلتنا من كركوك الى السليمانية .&

&إبتدأ المحقق في مستهل جلسته الاولى&ومن اهم ما عثروا عليه بين أوراقي مقال بعنوان ( النداء الاخير قبل غرق السفينة). أشير فيه الى أزمة النظام العربي&بصفة عامة والمشكلات التي تواجهها وضرورة اتاحة سقف اعلى للحريات الفردية والثقافية.(&هذاالكلام&عام&1986)..ألا أن المحقق اعتبر المقال يقصد&القيادة في العراق وبنى قناعاته اللاحقة وبموجبها احلتُ وفق المادة (208) المتعلقة بالمطبوعات أو الكتابات الى محكمة الثورة وحكم عليّ بموجبها

& &&& & & & &&&سجن رقم واحد

& &كانت ليلة 2/2/1987 وبعد إنقضاء التحقيق بيوم واحد جرت فيه عملية نقلنا الى السجن العسكري رقم واحد بمعسكر الرشيد وانهالوا علينا بالضرب بكل ما في أيديهم من عصي وتوصيلات كهربائية ( كيبلات) وأنابيب مطاطية ( صوندات)

& كان يوم 6/4/1987 الاثنين هو من ايام النحس ، كذلك يوم الخميس لانها ايام القضايا الصعبة والتي يحكم فيها ( غالبا) بالاعدام . نودي علينا وكنا اربعة أنا وأخي وسام وصديقي بيرود الطالباني وصديقنا سلام مدلول . وفي محاكمة لم تستغرق ربما أكثر من 20 دقيقة امام محكمة الثورة ورئيسها عواد البندر، هي عبارة عن إهانة للعدل والقانون ولأي نظام سياسي يقيم مثل هذه المحكمة المهزلة.&

بدا لي ان الاحكام كانت جاهزة وليس لرئيسها ( إن صح تسميتها بذلك) إلا شرف تلاوتها ، فقد حكم علينا نحن الاربعة بالاعدام شنقاً .&

& &ويضيف المؤلف قائلا: وصلنا الى قسم الاحكام الطويلة&( أو ما يطلق عليه الثقيلة) في أبو غريب ، حيث يكون قسم الاعدام ، وكنتُ في الزنزانة رقم 24 &إستقبلني الاخوان في الزنزانة أفضل إستقبال.

&كان تنفيذ أحكام الاعدام متوقفاً منذ 1/10/1986 ما عدا وجبات ثلاث صغيرة وواحدة كبيرة وعدد كبير من المحكومين الذين ينتظرون التنفيذ يناهز الـ 300&-380 شخص . أما الحالات الثلاث &الصغيرة فهي كما يلي :

= تنفيذ الاعدام بالفريق عمر الهزاع وولديه وثلاثة&آخرين&بينهم إمرأة بتهمة التهجم على رئيس الجمهورية.

= &تنفيذ الاعدام بالمهندس عبد الوهاب المفتي أمين العاصمة ومجموعته&( حوالي خمسة افراد) بتهمة الفساد المالي ( الرشوة والاختلاس).

= تنفيذ الاعدام بشخص واحدة من السماوة لمحاولته إغتيال محافظ السماوة.

&&وعلى هذا الاساس فإن كافة الذين صدرت بحقهم أحكام الاعدام نفذت شنقاً في سجن ابو غريب ( قسم الاحكام الطويلة) عدا ثلاث حالات تحديداً.

= مجموعة من ضباط الحرس الجمهوري ومن قطعات الجيش وعددهم 15 ضابطاً يقودهم الرائد ( سطم الجبوري) أعدموا رمياً بالرصاص في إحدى أرجاء سجن ابو غريب.

&

= إعدام الفريق الركن كامل ساجت الجنابي وهو من خيرة ضباط الجيش العراقي وأبطاله . والغريب في إعدام هذا الضابط انه جاء الى السجن يحمل مضروفاً&الى مدير سجن ابو غريب العقيد حسن العامري الذي فوجيء عندما فتح المضروف أنه يتحتم على مدير سجن ابو غريب إعدام هذا الضابط شنقاً وعلى الفور. فحاول المدير وهو ربما يعلم انه لا جدوى من محاولته &الاتصال بالجهات العليا بأن الوقت متأخر ( حوالي السادسة بعد الظهر)وأن الموظف المكلف &بالاعدام غير موجود فقيل له ألا يحمل أحدكم مسدساً ؟ فلما ردّ بالايجاب طبعاً. قالوا له :إذن أطلق رصاصة على رأس هذا الضابط وأغلقوا الهاتف بوجهه. وفعلا اشار مدير السجن الى احد الموجودين بالتنفيذ واطلق على رأس كامل ساجت الرصاص وهو جالس على الكرسي.

&ومن هؤلاء الجاسوس البريطاني الشهير ( بازوفت) وكان فرزاد بازوفت&

&ويروي الدكتور الدباغ&نقلا عن المعتقلين قبله&مواقف شجاعة وبطولية&ورباطة جأش وإستخفاف&لعدد من المحكوم عليهم بالاعدام ساعات التنفيذ منهم الشهيد البعثي محمد عبد الطائي

&و(|علي عليان)السامرائي&بأنه كان قمة في البطولة والرجولة الفذة عندما واجه حبل المشنقة رافضا تعصيب عيناه، وقال مخاطباً الحاضرين من مكانه المرتفع( منصة الاعدام) بأنه غير مكترث أبداً لما يحصل له بل هو يأسف لاجلهم إذ ينفذون بوعي أو بلا وعي أحكاماً بحق عراقيين مخلصين للوطن.&

& ويستذكر المؤلف يوم ان اخبر بتخفيض حكم الاعدام الى المؤبد فيقول: يوم الاربعاء &13 أيار 1987 حين فتح الباب بيده ورقة بيضاء رفعها وشرع بقراءة الاسماء كانت اسماء اربعة هي اسمي ومن معي في القضية &قائلاً انها مرسوم تخفيض .&

&

ويضيف &: كنتُ ادرك بوصفي مختصاً في العلوم السياسية والتاريخ المعاصر وكنتُ احرص على المواصلة في مجال اللغة الالمانية عن طريق القراءة والترجمة وتدريس اللغة الالمانية اذ كان الكثير من النزلاء يبدون رغبة في دراسة هذه اللغة الالمانية لحوالي 150 طالباً&تطور منهم حوالي 25-30 فردا

&ويضيف الدكتور الدباغ قائلا: وقبل خروجي من السجن بأشهر ترجمتُ مقدمة لترجمة القرآن الكريم للاستاذة الالمانية المعروفة ( آنا ماريا زيشل) 45 صفحة .

&ويتحدث المؤلف عن &يوم صدور العفو العام عن كل المساجين بمختلف التهم الموجهة اليهم فيقول : يوم 20/10/2002 كنتُ دعوتُ احد الاخوة ( عصام من الحلة ) الى طعام الغداء فجاء من يطلبني الى باب القسم واذا باحد المقربين للادارة يخبرني ان العفو قد وصل السجن وسوف يذاع قريباً ،فإستعد وإلا فإنك سوف لن تجد الوقت لرزم حقيبتك . وسوف يطلق سراح 500 فرد حالا واسمك من بين اوائل الاسماء والبقية غدا&.

&وعندما اصبحت خارج السجن هذه المنطقة المحرمة حرا للمرة الاولى منذ ستة عشر عاماً بلا حراس وبلا قيود في اليدين .. الكل يزحف الى الخارج كأرتال&ن عبر البوابة الكبيرة عرضها 4-5 متر والاف الخارجين &وهذه الالاف ليس اقل من عشرة الالاف من البشر&وعدت الى البيت وامضيتُ26&يوما ببغداد ومن ساحة القاضي ببغداد الى عمان /الاردن. وفي طريق الجو بالطائرة المتجهة الى المانيا&وهي&تقترب من مطار ( تيغل) ببرلين &تذكرت احداث 15ايار 1983 في ذلك اليوم غادرت بيتي ببرلين دون ان اوقظ اطفالي من النوم . وعندما حطت الطائرة في مطار برلين كان ابني الاكبر فراس اول من رأيت ثم اخوه فواز وامهما وانا فارقتهم منذ 20 عاما. وعندما دخلت بيتي بعد عشرين عاما من الغياب كنت اشعر بالفوز أخيراً وأنا سعيد.