الشرق الأوسط يقترب من نقطة التماس الخطرة&&إثر التصعيد الأخير بين إيران من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والعربية السعودية، من جهة أخرى. فحالة الإنذار والترقب وصلت الذروة في الأيام القليلة الماضية بعد إسقاط الطائرات المسيرة الدرونات التابعة للطرفين،&&واحتجاز الناقلات ، والتهديدات المتبادلة&&والتصعيد الكلامي والإعلامي بين الجانبين. فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصر على ممارسة أقصى الضغوط على طهران لجرها إلى طاولة مفاوضات جديدة بدون شروط مسبقة وإرغامها على تقديم تنازلات تتعلق بخططها الإستراتيجية&&في المنطقة وعلى رأسها برنامج الصواريخ الباليستية بعيدة المدى. ولقد بدأ هذا الأخير عملية الاستفزاز والتصعيد عندما أعلن من طرف واحد انسحابه من الاتفاق النووي المبرم والموقع بين إيران وأمريكا وأوروبا وروسيا والصين، والذي رفضته إسرائيل واعترضت عليه العربية السعودية. كانت الخطوة التصعيدية التالية هي فرض العقوبات الاقتصادية الصارمة على إيران والتي اعتبرتها طهران بمثابة إعلان حرب اقتصادية عليها تمهيدا لحرب عسكرية حقيقية ما جعل إيران ترد بالمثل وتهدد بغلق مضيق هرمز وبضرب حلفاء أمريكا في المنطقة، والاحتجاز المتبادل للنقلات بين إيران وبريطانيا. فالإدارة الأممية حثت بريطانيا على احتجاز ناقلة نفط إيرانية في جبل طارق في الرابع من تموز الجاري بموجب&&قرار العقوبات الدولية المفروضة على إيران،&&الأمر الذي قاد إلى رد فعل انتقامي من جانب طهران وقيامها باحتجاز ناقلة ترفع العلم البريطاني في مضيق هرمز ، ودفعت مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي أن يعلن ثلاث توجيهات استراتيجية للمسؤولين في بلده عليهم تنفيذها حتى في حالة غيابه أو موته، وعند حدوث عملية احتجاز نقالة النفط الإيرانية أدرك الإيرانيون أن جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باءت بالفشل وإنه آن الأوان لكي تأخذ إيران زمام الأمور بيديها وتستعد لمواجهة، إن عاجلاً أم عاجلاً وتخطط لذلك من خلال أدواتها الإقليمية&&في العراق ولبنان وسوريا&&واليمن والخليج، لكن ذلك لا يعني البتة أن إيران تغلق باب التحرك الدبلوماسي الفرنسي&&وغيره ، إذ أعربت دول أخرى عن استعدادها للعب دور الوساطة لتخفيف حدة التوتر ووقف التصعيد الذي تمثل بتحشيدات عسكرية غربية وإعلان السعودية استعداداها لاستقبال القطعات العسكرية الأمريكية والغربية على أراضيها للمرة الأولى منذ حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت سنة 1991، ووصول سفن عسكرية بريطانية إلى مياه الخليج وقوات دولية إضافية وصلت إلى المملكة العربية السعودية. حاول الوسيط الفرنسي&&السفير إيمانويل بون&&ممثل الرئيس الفرنسي ماكرون إقناع طهران بالقبول بإعادة التفاوض حول ملفات أخرى ترتبط بالاتفاق النووي وفي&&مقابل ذلك سيسعى لإطلاق سراح الناقلة الإيرانية المحتجزة&&ولعب دور الوسيط الدولي بين طهران وواشنطن. إلا أن القادة الإيرانيين أبلغو السفير الفرنسي أنهم أدركوا أن أمريكا تريد إقحام أوروبا معها لمواجهة وضرب إيران وهي التي دفعت المملكة المتحدة لهذا الفعل الاستفزازي الذي وصفته بالقرصنة البحرية غير المشروعة رغم أنها تمت بطلب من الأمم المتحدة، وإن واشنطن تختفي وراء لندن لاختبار ردة الفعل الإيرانية ونوعها لمراقبة نوع المواجهة ولي الذراع بين المملكة المتحدة وإيران وتأمل أن تنزلق إلى مواجهة عسكرية حقيقية مباشرة لاستغلالها كمبرر لتوجيه الضربات العسكرية لذلك فإن القوات العسكرية الخاصة الإيرانية لم تتصرف بحماقة وكردة فعل عاطفية بل قامت بعمل مدروس&&وحساب كافة التداعيات والمخاطر المترتبة عليها، بما فيها احتمال انسحاب الأمم المتحدة وأوروبا من الاتفاق النووي مما دفع طهران للإعلان عن زيادة في مستوى تنقية اليورانيوم خارج النسبة المتفق عليها بموجب الاتفاق النووي. لكن أوروبا ، عدا بريطانيا، تعتقد أن إيران لم تخرق الاتفاق النووي خلال الأشهر الأربعة عشر المنصرمة منذ تاريخ توقيع الاتفاق.&

إن هذا الوضع المتفجر يمكن أن يقود إلى اندلاع حرب جديدة ممكنة في الشرق الأوسط ستكون تبعاتها كارثية على الجميع لا سيما على العراق . فمن خلال دراسة وتحليل الأوضاع السائدة ميدانياً ودبلوماسياً، يبدو أن إيران غير مستعدة للإذعان&&والتسليم وقبول الإملاءات الأمريكية مهما كانت قوة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وتأثيرها السلبي على مستوى الحياة والمعيشة والقدرة الشرائية للمواطن الإيراني. فطهران تعرف من التجربة العراقية التي سبقتها أنها تخوض بالفعل حرباً اقتصادية مع أمريكا وحلفاؤها قد تكون أقسى وأخطر من الحرب العسكرية&&فالنتيجة&&واحدة لأي من الحربين ، الاقتصادية أو العسكرية، عليها فهي في الحالتين&&مدمرة. يبدو أن الولايات المتحدة تعلم&&وتعي ما تخطط له طهران في حال تعرضها لهجمات عسكرية أو استمرار تضييق الخناق حولها دولياً ومنعها من بيع نفطها وتمزيق منظومتها التجارية فهي تستعد لمواجهة تلك التداعيات ومحاولات تفجير المنطقة برمتها لأن الهدف المنشود يستحق&&مثل تلك التضحيات، ألا وهو منع إيران من استكمال برنامجها النووي حتى ولو على المدى البعيد واستئصال برنامجها الصاروخي الباليستي المهدد لإسرائيل ودول الخليج&&الحليفة .

وبفعل هذه المقاربة، قرر خامنئي&&أن من حق إيران أن ترفع مستوى تنقية اليورانيوم المسموح به دولياً لها، كسلاح رادع يرفع بوجه الغرب ، ومواصلة تطوير برنامج الصواريخ الباليستية بعيدة ومتوسطة المدى لأنه سلاح ردع&&يسهم بردع الخصوم ويوفر الحماية لإيران في خضم توازن القوى مع الخصوم والأعداء. ومواصلة دعم الحلفاء والامتدادات الإيرانية في المنطقة&&خاصة في العراق&&وسوريا ولبنان واليمن، وكلها دول مجاورة لحلفاء واشنطن في الخليج&&ومتاخمة للحدود الإسرائيلية&&لأنهم أداة ضرورية وأساسية للأمن القومي الإيراني.

هذا هو رد طهران للشروط الإثني عشر التي أعلنها وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو ويريد فرضها على إيران إذا أرادت أن تتجنب الصدام مع أمريكا والغرب ما يعني تجريد إيران من كل وسائل الدفاع الذاتي وجعل البلد هش وضعيف وقابل للاختراق . ولقد أبلغ خامنئي&&قادة البلاد بأن هذا البرنامج ضروري للبقاء على قيد الحياة للجمهورية الإسلامية وضمان أمنها الوطني والاستراتيجي و لا يجب التنازل عنه مهما كان الثمن. فالبرنامج النووي والصاروخي الباليستي والميليشيات الموالية لإيران في المنطقة تمثل الأسلحة الرادعة بيد طهران لمنع وقوع ضربة عسكرية عليها لأن الثمن سيكون فادحاً على الجميع. ولقد قامت طهران بالفعل بنصب بطاريات صواريخ قرب الحدود السعودية والخليجية في جنوب العراق بدون علم وموافقة الحكومة العراقية ، وأمريكيا تناور مع الحلفاء لتامين طرق الملاحة البحرية الدولية في حين هددت طهران بمنع وعرقلة الامدادات&&والصادرات النفطية في منطقة الخليج برمتها إذا منعت من تصدير نفطها وترامب اعتبر الحرس الثوري الإيراني جماعات إرهابية غير قانونية&&يجب حلها، ومن أجل ذلك أرسل الدفعات الأولى من قوات النخبة والقوات الخاصة للعربية السعودية فيما أرسلت بريطانيا قطعاتها البحرية العسكرية للخليج و لا أحد يبدو على استعداد لتقديم تنازلات قد تفضي إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات واحترام الاتفاقات المبرمة والموقع عليها ، لذا فإن كل شيء قابل للحدوث&&والتوقعات ليست متفائلة البتة.&

يعتقد أن الضربة الأمريكية ــ الإسرائيلية على إيران ، لو تأكدت، سوف تتطلب تحضيرات دقيقة&&لأنها ستكون شاملة وقاصمة وليست جراحية أو تأديبية&&بل سوف تسعى لقصم ظهر التجهيزات العسكرية الإيرانية برمتها ودفاعاتها الجوية&ومواقعها النووية والصاروخية ومراكز القيادة والتحكم والاتصالات لمدة إسبوعين على الأقل أو أكثر لإرجاع إيران إلى ما قبل العام 1920 على حد تعبير وزير الدفاع الأمريكي.&

إنعكاسات الحرب وتداعيات الهجمة العسكرية على إيران ستصيب العراق في العمق لأنه سيتحول رغما عنه إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين الجانبين وسيعيش حربا بالوكالة وأولى المؤشرات هو تعرض منشآءات عسكرية ودبلوماسية أمريكية في العراق لقصف صاروخي مجهول المصدر يعتقد أن مصدره بعض فصائل مسلحة من الحشد الشعبي أو ميليشيات شيعية موالية لإيران في العراق ما دفع واشنطن لسحب دبلوماسييها من السفارة الأمريكية في بغداد تحسباً لأية تطورات مأساوية، والاكتفاء بالحد الأدنى من العاملين وأغلبهم موظفين عراقيين وأجانب غير أمريكيين. وهذا الأمر دفع الحكومة العراقية لإصدار أمر ديواني من رئيس الوزراء بحصر السلاح بيد الدولة ومحاولة تجريد الميليشيات وقوات الحشد الشعبي غير المنضوية في القوات المسلحة النظامية من السلاح ومحاولة السيطرة على الجماعات المسلحة المنفلتة الموالية لإيران بلا قيد أو شرط وتتلقى أوامرها منها. لقد صرح جنود ومقاتلين في إحدى معسكرات الحشد الشعبي التابعة لقوى الأمن الداخلي العراقية الرسمية ، شكلياً، أنهم سينفذون أوامر القيادة الإيرانية في حالة تعرض إيران لعدوان أمريكي وسيضربون المصالح الأمريكية في العراق وهذا ما يثير مخاوف الكثير من السكان المدنيين في العراق. فلقد طلب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في الأول من تموز في أمره&&الديواني من الميليشيات غير المنضوية أو المدمجة في الجيش والشرطة أن تحل نفسها وتسلم أسلحتها ومقراتها للدولة وغلق شركاتها ومكتبها التجارية غير القانونية وعليها القيام بذلك قبل نهاية شهر تموز الجاري ، أو التحول إلى كيانات سياسية غير مسلحة ومن لم يمتثل لذلك سيعتبر خارج القانون&&والشرعية وسوف يلاحق قضائياً ولكن لا يبدو أن أياً من هذه المجاميع المعنية مهتم بالأمر أو مستعد للتنفيذ. لقد بادر مقتدى الصدر إلى حل ميليشياته سرايا السلام التابعة له في حين انضمت ميليشيات الحشد الشعبي التابعة للسيستاني إلى الجيش النظامي وقوات الأمن لتابعة لوزارة الداخلية منذ أن أمرها السيستاني بذلك في نهاية عام 2018. تجدر الإشارة إلى أن تعداد قوات الحشد الشعبي قد تجاوزت الــ 140000 مقاتل ولقد أعلنت بعض فصائل الحشد رفضها لهذا الأمر الرئاسي لأنه جاء بأمر من الولايات المتحدة الأمريكية على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي . يعتقد البعض أن هذه القوات التي شاركت في الحرب على داعش باتت تتمتع بالقدسية ولايحق لأحد المساس بها او انتقادها رغم تجاوزاتها في الكثير من المناطق وصارت تتمتع بامتيازات مالية هائلة وتسليح من قبل الدولة حيث تجاوز عدد الميليشات أكثر من ستين ميليشيا بمسميات مختلفة، مثل بدر، وأنصار الله، وحزب الله العراقي، وحركة النجباء ، وجيش المختار، وعصائب أهل الحق&&وكتائب الإمام علي وسرايا الخراساني الخ.. وبعضها يتلقى أوامره مباشرة من قاسم سليماني&&قائد قوات القدس في الحرس الثوري الإيراني، أو ذراعه اليمين أبو مهدي المهندس قائد ميليشيا حزب الله العراقي. ويأخذ هؤلاء الرافضون لأوامر عادل عبد المهدي تخاذله واستثنائه للميليشيات الكردية أو قوات البيشمركه&&الكوردية التي لم يذكرها بقراره&&ولم يشملها بأمر حل نفسها ويبدو أن رئيس الوزراء في وضع محرج ويجلس على كرسي قابل للقذف في أية لحظة إزاء محاولات ومناورات خصميه ومنافسيه حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق ونوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق وهو في وضع لا يحسد عليه.&

&