كثيراً ما نسمع عن حالات(معظمهن من النساء) كانت تستخدم الدواء النفسي وكذلك تعالج عند أحد الرقاة، وبعد أن عَلِمَ الراقي بأن هذه الفتاة تستخدم الدواء النفسي أوصاها بأن تُوقِف الدواء على الفور بحُجَّة أن الدواء النفسي يحبس الجن داخل الجسد أو يُضعف أثر القرآن!! وبالفعل معظمهن يوقفن الدواء، والنتيجة إما ازدياد الحالة سوءاً أو الانتحار، وفي كلتا الحالتين ستعزو أسرتها والبعض من أفراد المجتمع السبب إلى الجن وأنهم هم من قتلوها وجعلوها تنتحر أو أفقدوها عقلها.
عزيزتي الفتاة/عزيزي الشاب:
لا تُضيِّع حياتك في الركض خلف الوهم، لا تُصدِّق أن هناك شيطان يدخل جسد إنسان، يجب أن تؤمن بالعلم وما يقوله العلماء ودع ما سواه.
*خطورة الاكتئاب تكمن في انعدام ركنين أساسيين من الأركان الضرورية لاستمرار الإنسان في رحلته مع الحياة، هذان الركنان هما:&
1ّّ.اللذة.
2.الأمل.
فلا يمكن أن يستمر الإنسان في هذه الحياة وهو لا يشعر بأي لذة في الأعمال التي يقوم بها أو الأشياء التي يمتلكها، كذلك انعدام الأمل في المستقبل ورؤيته بمنظار شديد السواد تؤدي بالإنسان إلى أن يضع حداً لحياته.
*تزداد خطورة الاكتئاب بأن له القدرة أيضاً على سلب اللذة الناتجة عن التعبُّد لله والإيمان والروحانيات والأعمال الصالحة، فيصلي ويستغفر ويصوم بلا أي مشاعر تبعث على الفرح والسرور والانشراح.
*المكتئب يتألم دون أن يصرخ أو يتحدث، ليس لأنه مُخيَّر في ذلك؟ بل لأنه لا يستطيع، فالأمر خارج عن سيطرته تماماً، فهو كمن يحترق بالنار دون أن يستطيع أن يقول أنقذوني.
*رغم أن الأفكار والتصورات هي السبب الرئيسي لحدوث الاكتئاب،إلا أن المكتئب لا يدرك هذا الأمر لأنها غير حاضرة في ذهنه أثناء خضوعه تحت وطأة الإكتئاب أو مروره بنوبة الإكتئاب، لكنه لايعلم أنها مُترسِّخة في الأعماق على مدى سنوات ولا تظهر بشكل واضح في ذهن المكتئب،من هنا يأتي دور وأهمية الأدوية النفسية لإعادة الوضوح وكأنها تنفض الغبار عن ذهن المكتئب فيبدأ في رؤية تلك الأفكار بصورة واضحة ويالتالي يبدأ في العمل مع الطبيب أو الأخصائي لمعالجة وتعديل تلك الأفكار.
*ليس مهماً أن نعلم هل الأفكار هي السبب لحدوث الإكتئاب أم أن هناك نواحي بيوكيميائية هي المسؤولة عن ذلك، بمعنى آخر: هل يحدث الاختلال البيوكيميائي أولاً ثم نتيجة لهذا الخلل يبدأ الإنسان يفكر بطريقة سلبية أو يعتقد اعتقادات خاطئة وغير واقعية؟
أم أن الأفكار السلبية والظروف التي واجهها الإنسان في حياته وبيئته هي التي أحدثت الاختلال البيوكيميائي؟
كل هذا لا يهم طالما أن العلاج سيقوم على الطرفين ويعيد التوازن لهما.
*الدواء النفسي يجعل الذهن مُهيأً لاستقبال الأفكار ثم فهمها بوضوح ثم الاقتناع بها،لأن الفكرة إن أتت إلى ذهن مُشوَّش فإنها لن تجد لها مكاناً وبالتالي لا أثر لها، والفكرة عندما تُفهم بصورة واضحة فإما أن يقتنع الإنسان بها ومن ثم يحدث التأثير الديناميكي،وإن لم يقتنع بها فإنه على الأقل يعي ويدرك مسؤولية نفسه ويشعر بذاته ويتخذ قراراته ويختار بين البدائل.
*الاكتئاب كله لعنات،ولكن اللعنة الأبرز للاكتئاب هي أنه يجعل عقل الإنسان في حالة انقطاع، فحالة المكتئب أشبه ما تكون بالإضاة التي قد تعطَّل فيها الفيوز، فمهما قُمتَ بالضغط على زر الإضاءة لن تعمل، ولكي تعمل لابد من إصلاح الخلل الداخلي، كذلك المكتئب(خصوصاً الإكتئاب المقاوم) مهما حاولت أن تُخفِّف عنه سواءً بالحوار العادي أو عن طريق العلاج المعرفي جميعها محاولات لن تجدي نفعاً، فيلزم الدواء أولاً لكي يساعد المريض ويجعله في حالة يستجيب عقله فيفهم ويدرك ويتأثر بما يُقال له، لأن الناقلات العصبية وخصوصاً(السيروتونين، الدوبامين) بدأت تقوم بدورها ووظيفتها على الوجه المطلوب.
*أحد الأصدقاء يقول: كنت أشعر أن هذهِ طبيعة الحياة، ليس فيها متعة، لم أكن أجد اللذة في أي شيء، وبعد أن أشارت علي زوجتي بزيارة الطبيب النفسي، تم تشخيص الحالة بالاكتئاب، ثم تم صرف الدواء مع الجلسات العلاجية، وبعد مرور شهر واحد من الانتظام على الدواء والجلسات النفسية، تغيَّر كل شيء تماماً! إلى درجة أنني بدأت أشعر بأنني للتَّو قد تزوَّجت، بدأت أرى زوجتي وأُركِّز في ملامحها الجميلة، بدأت أتلذَّذ بالطعام والشراب وكأنَّني لأول مرة أرى هذهِ الأصناف!
*كوب من الخمر تسقي به مريضاً بالاكتئاب أتاك مُنهاراً خير من نصائح دينية تُقدِّمها له(تنويه: أقول هذا حتى يُعرف معاناة مريض الإكتئاب وأن حالته تتطلَّب& العلاج، ولا علاقة للاكتئاب بالنواحي الدينية على الإطلاق، وليس المقصود أن أُحِلَّ حراماً أو أُحرِّم حلالاً، ولا أن أجعل من الخمر علاجاً لأنه حتماً ليس كذلك).
*لابد من الإشارة إلى أن الطبيب النفسي هو الوحيد الذي يُشخِّص الحالة وهو من يقرر هل هذا الشخص بالفعل بحاجة إلى الدواء أم مجرد جلسات نفسية.