في العام 1983م تناقلت الصحف المصرية تقارير عن خريطة قدمت للكونجرس الأمريكي تشتمل على خطة لتقسيم الوطن العربي. هذه الخريطة قدمها "برنارد لويس" الصهيوني البريطاني، حيث اقترح تحويل البلاد العربية الى دويلات طائفية وعرقية صغيرة بلا حكومات فاعلة، ومن ثم استباحة الوطنالعربي وثرواته وتحويلها الى المجتمع الغربي لتتحقق له الرفاهية. واقترح "برنارد لويس" وقتها أن يقسم العراق إلي ثلاث دويلات: دولة شيعية في الجنوب ودولة سنية في الوسط ودولة كردية في الشمال العراقي والشمال الشرقي من إيران وغرب سوريا وجنوب تركيا.
وبالفعل فإن الدستور الحالي الذي صيغ في غضون ثلاثة أشهر منذ الاحتلال الأمريكي العام 2003م أقر كل هذه الأمور بأوامر ومباركة من "بول بريمر" الحاكم العسكري الأمريكي وقتها. بالإضافة إلى ذلك فإنه نص في متنه على عدم جواز إلغاء أو المساس بالمواد التي وردت في قانون إدارة الدولة الملغى والتي تمنح إقليم كردستان صلاحيات وامتدادات واسعة، واعتبارها سارية المفعول في ظل الدستور الدائم (المادة 143). كل هذه المواد ومواد اخرى إضافية، مكنت إدارة إقليم كردستان من التمتع بصلاحيات أكبر من الصلاحيات الفيدرالية لدولة مركزية ضعيفة لا تتمكن بحكم كوابح الدستور من تقليص صلاحيات الإقليم التابع لها.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك الموافقة على ان يكون لإقليم كردستان نسبة 17% من موازنة الدولة المركزية، كما تُركت مسألة استثمار الثروة النفطية في الإقليم مبهمة وتخضع للقوانين والتشريعات الصادرة عنه، وتكون له – طبقا للدستور - الأولوية في حال التنازع مع السلطة الاتحادية المركزية. كما أن السلطة المركزية ملزمة بدفع تكاليف قوات (البشمركة) من الخزينة المركزية، إضافة الى منح الإقليم الحق في امتلاك ممثليات له في الخارج، وضمن السفارات العراقية. في العام 2006م، طرح "جو بايدن" الذي كان وقتها عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي مشروعا لتقسيم العراق بين الشيعة والسنة والأكراد، ثم أعاد طرحه سنة 2013م إثر توليه منصب نائب الرئيس الأميركي.
واليوم وبقدر ما تتعقد الأمور في العراق، يكثر الحديث عن طرح "بايدن" كأحد الحلول الواقعية خاصة مع تقديم واشنطن مساعداتها المالية مباشرة إلى المكوّن الكردي، وأيضا دعمها للعشائر السنية كطرفين مستقلين وبعيدا عن حكومة بغداد المحسوبة على إيران الشيعية. ودعما لمشروع التقسيم الذي طرحه "بايدن"، تحدث سنة 2007م كل من "إدوارد جوزيف" و "مايكل أوهانلون" الباحثان في معهد "بروكينغز الأميركي" عن دواعي التقسيم الناعم للعراق إلى ثلاث مناطق: جنوبية، وسطى، وشمالية. وأكدا أن تحقيق الأمر يتطلب وجود حرب طائفية في العراق.
في كتابه “حرب الضرورة أم حرب الاختيار" الذي صدر في العام 2009م، توقع "ريتشارد هاس"، مدير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، تفكك العراق إلى ثلاث دويلات مع هيمنة إيرانية مباشرة على محافظات الجنوب، وانفصال منطقة كردستان "شمال العراق" بعد إعلان استقلالها. أما الشمال الغربي، فيبقى من حصة المتشددين السنة الطامحين إلى إنشاء دولة سنية في محافظات غربي العراق، بما فيها الموصل الممتدة إلى مدن شرق سوريا.
عادت مسألة تقسيم العراق لتطفو على السطح من جديد وفق (خارطة قديمة – جديدة) تقترح تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم،شيعي وسني وكردي. وفي الفترة الأخيرة، بدأت أصوات كثيرة تتعالى مدافعة عن خيار تقسيم العراق، الذي لم يعد فقط طرحا نظريا بل أصبح أحد السيناريوهات المفضلة لدى تيار واسع من السياسيين والإستراتيجيين الأميركيين، وأيضا أقلية سياسية في العراق على غرار الأحزاب الكردية والحزب الإسلامي العراقي - الجناح العراقي لجماعة الإخوان المسلمين - الذي يؤيد فكرة انشاء إقليم سني.
إن الحل الوحيد لإنقاذ العراق وشعبه من التفكك ومن مستقبل أكثر ظلاما وخرابا هو التخلص من النظام الطائفي الحالي، القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية، وخطابه المقيت وممارساته الكارثية. لا بد من تشكيل حكومة إنقاذ وطني وكتابة دستور جديد أساسه المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات. إن هذه اللحظة الحالكة في ليل العراق تتطلب إعلاء الروح الوطنية العراقية لاستعادة وبناء وطن للجميع، وليس لطائفة أو عرق.
التعليقات