نشرت إيران معلومات أولية تفيد بمقتل ثمانين عسكريًا أميركيًا بالضربات الصاروخية على قاعدة عين الأسد بالأنبار غربي العراق، وهو ما نفاه المسؤولون الأميركيون الذين أكدوا أن الخسائر المحتملة جراء القصف الإيراني، أن وُجدت، فهي طفيفة جدًا.
لقراءة النص الأصل باللغة الانكليزية أنقر على الرابط أدناه
Did the US suffer losses in Iran’s airstrike? Iran claims it did...
"إيلاف" من بيروت: في الوقت الذي تظهر فيه تقارير بين الفينة والأخرى عن الخسائر الأميركية بعد الضربة الجوية الإيرانية الانتقامية ضد المصالح العسكرية الأميركية في العراق في وقت سابق من يناير الجاري، تواصل واشنطن صمتها متمسكة بالتقارير السابقة لرئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب والتي تشير إلى أن كل شئ "على ما يرام".
وكان ترمب قد غرّد على تويتر قائلًا: "كل شيء على ما يرام! لقد أُطلقت صواريخ من إيران على قاعدتين عسكريتين في العراق. تقييم الخسائر والأضرار جارٍ الآن. حتى الآن كل شيء على ما يرام! لدينا الجيش الأكثر قوة والأفضل تجهيزًا في العالم، وبفارق شاسع! سأدلي بتصريح صباح الغد".
بيان التحالف
اعترف التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، ضد تنظيم "داعش" بإصابة "العديد" من الجنود الأميركيين في الهجوم الصاروخي الإيراني يوم 8 يناير الجاري، ضد قاعدة عين الأسد الجوية بالعراق، والذي نفذته طهران انتقامًا لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
قال التحالف الدولي في بيان الخميس الماضي، إنه بينما لم يُقتل أي من أفراد القوات الأميركية في الهجوم الإيراني على قاعدة عين الأسد الجوية، فقد عولج العديد من أعراض الارتجاج جراء الانفجار، وما زالوا قيد الملاحظة.
أوضح بيان التحالف أنه تم نقل أفراد الخدمة من قاعدة عين الأسد الجوية في العراق إلى مركز لاندستول الطبي الإقليمي في ألمانيا لمتابعة الفحص.
ادعاءات إيران
مع المزيد من التقارير والمعلومات المتناقضة التي يتم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي حول مدى الضرر الذي ألحقه الهجوم الإيراني على الجيش الأميركي، خرجت إيران برواية بنسخة مختلفة تمامًا، وزعمت أن جيشها قتل أكثر من 100 جندي أميركي في خطوة كان المقصود بها الانتقام لاغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
قُتل سليماني في غارة جوية أميركية أثناء سفره إلى بغداد للقاء مسؤولين حكوميين بدعوة صريحة من رئيس وزراء تصريف الأعمال العراقي عادل عبد المهدي في أوائل يناير. وقد شجبت عدة دول في المنطقة اغتياله، لكن الاستياء الأوسع كان في العراق وإيران، حيث اعتبره البعض بطلًا ضد التطرف الإسلامي.
أكد مسؤولون رفيعو المستوى في طهران، فضلوا عدم الكشف عن هويتهم، يوم الجمعة الماضي، أن مكتب القيادة سينشر مواد أساسية للصحافة، ما يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن أميركا كذبت ليس على شعبها وحسب، ولكن على العالم أجمع فيما يتعلق بتأثير الهجوم الانتقامي الإيراني على مصالحها في العراق.
وصدر بيان رسمي داخلي عن مكتب علي خامنئي، المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية، والقيادة العسكرية الإيرانية، يفيد بأن أكثر من مئة جندي أميركي قتلوا في العراق، ,تم نقل الضحايا جوًا إلى إسرائيل والكويت للعلاج.
مأساة الطائرة الأوكرانية
حتى الآن، نفى المسؤولون الأميركيون بشكل قاطع المزاعم الإيرانية، مشيرين أن إيران تحاول تسجيل نقاط سياسية في الداخل بعد أن واجهت غضبًا علنيًا بسبب إسقاط جيشها لطائرة مدنية.
تحطمت طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية 737-800 بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار العاصمة الإيرانية طهران في الثامن من يناير الجاري متجهة إلى العاصمة الأوكرانية كييف، ما أدى إلى مقتل طاقمها وجميع المسافرين على متنها والبالغ عددهم 176 شخصًا. وسرعان ما أثار إعلان إيران بأن طائرة البوينغ الأوكرانية قد أُسقطت جراء خطأ بشري و"بغير قصد"، غضبًا في كل من إيران وعبر المجتمع الدولي.
تسببت هذه المأساة بموجة من الاحتجاجات الجماهيرية المنددة بالحدث الأليم، وقد سعت إيران بعدها إلى تعزيز الدعم الشعبي من خلال إعادة توجيه المصلحة العامة نحو ما تعتبره الحكومة كفاحًا وجوديًا ضد "الشيطان الأكبر" الملقب بالولايات المتحدة الأميركية.
النظرة الإيرانية
في تعليقات حصرية لـ "إيلاف"، أكد مسؤولون عسكريون رفيعو المستوى في طهران أن الضربة الإيرانية الأخيرة ضد أميركا شلت القدرة العسكرية لواشنطن في العراق إلى حد كبير، مضيفين أن استعراض القوة كان المقصود منه التذكير بالقوة العسكرية للجمهورية الإسلامية وتصميمها على الدفاع عن سيادتها بأي ثمن.
وفقًا لفهمهم للأحداث، كان على القيادة العسكرية الأميركية تنظيم عملية إجلاء جماعي عاجلة لجميع أفرادها في جميع أنحاء العراق إلى قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، غرب العراق، تحسبًا لأي عدوان إيراني في وقت سابق من شهر يناير. ثم دفعت هذه الخطوة الجيش الإيراني إلى تركيز قوته العسكرية على قاعدة عين الأسد وممارسة أقصى قدر من الضغط على الولايات المتحدة، وتعطيل موقعها العسكري الرئيسي في العراق.
تزعم طهران أن ضرباتها الصاروخية دمرت جميع المواقع الأميركية، وحرقت المعدات العسكرية تاركةً وراءها حطامًا. وفي يوم الهجوم في السابع من يناير الجاري، نُشرت تقارير في وسائل الإعلام الإيرانية عن الخسائر الأميركية الجسيمة، وقال مصدر مطلع في فيلق القدس أن أكثر من 80 جنديًا أميركيًا قتلوا وأصيب نحو 200 في هجمات صاروخية أطلقها الحرس الثوري الإيراني على قاعدة عين الأسد الجوية الأميركية في محافظة الأنبار غرب العراق.
ونشرت وكالة "مهر" الإيرانية، التابعة لمنظمة نشر الأيديولوجيا الإسلامية الحكومية، تقرير أرجعته إلى إذاعة جمهورية إيران الإسلامية، وهي الإذاعية الرسمية في البلاد التي يديرها شخص يُعين مباشرةً من المرشد علي خامنئي، جاء فيه ما يأتي: "وفقًا للتقارير الدقيقة لمصادرنا في هذه المنطقة، قُتل ما لا يقل عن 80 جنديًا أميركيًا وجرح حوالي 200 آخرين، وتم نقلهم على الفور من القاعدة الجوية بطائرات هليكوبتر".
مسار تصادمي
تزعم طهران اليوم أن ما يصل إلى 143 من الأفراد العسكريين الأميركيين قد لقوا حتفهم وجرح 538 في الهجوم الصاروخي. وأكد المسؤولون في طهران لـ "إيلاف" أن مقاطع الفيديو والأدلة الإضافية ستتاح قريبًا للجمهور.
للمرة الأولى منذ عام 2012، أمّ خامنئي المصلين في صلاة الجمعة بطهران، في وقت تشهد فيه البلاد توترات شديدة مع الولايات المتحدة. ومتحدثًا عن الأكاذيب الأميركية، قال إن الضربات الصاروخية الإيرانية في العراق كانت "صفعة على الوجه" للولايات المتحدة، وهي خطوة من المحتمل أن تثير غضب المسؤولين في واشنطن، بما فيهم الرئيس ترمب نفسه.
عليه، يمكن الاستنتاج أنه بينما تجنب العالم حربًا شاملة قبل أسبوع واحد فحسب، يمكن القول إن إيران والولايات المتحدة ما زالتا منخرطتين بقوة في مسار تصادمي على رأس جدول أعماله، طموحات إيران النووية.
تجاوز الرد
منذ أن أطلقت إيران وابلًا من الصواريخ ضد المواقع الأميركية في العراق، أعلنت أنها لم تعد مضطرة للالتزام بشروط الاتفاق النووي، وهو الاتفاق الذي انسحب منه ترمب في بداية ولايته الرئاسية لقوله إنه فشل في تأمين مصالح أميركا.
قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، في خطاب بثه التلفزيون الحكومي الخميس الماضي، إن بلاده تقوم الآن بتخصيب اليورانيوم بكميات أكبر مما كانت عليه قبل توصلها للاتفاق النووي مع القوى العالمية في 2015. وملمحًا إلى ما قد يحدث في حالة تجاوز البيت الأبيض الخطوط الحمر، أشار أن ما بين الحرب والسلام رصاصة واحدة وإطلاقها يمكن أن يشعل الحرب في المنطقة، مضيفًا أن إدارته كانت تسعى لمزيد من الأمن.
إذا ثبتت صحة مزاعم إيران بأنها قتلت 143 جنديًا أميركيًا، من المرجح أن ترد واشنطن بأكثر من تحذيرات بفرض المزيد من العقوبات، حتى لو كان الرد متأخرًا بعض الشيء. وربما توحي تغريدة ترمب بأن "كل شيء على ما يرام" بأن الرد لن يحدث، خصوصًا في ضوء تعليق وزير الدفاع مارك إسبر الأسبوع الماضي بأن التقييم الأولي لم يجد سوى أضرار في الممتلكات.
لا بد من ذكر أن مارك إسبر كان قد علق على حجم الأضرار في عين الأسد قائلًا: "إن تقييم أضرار المعركة الحالي يقتصر على تفاصيل مثل الخيام، ومدارج الطائرات، وموقف السيارات، وطائرات هليكوبتر تالفة، وأشياء من هذا القبيل؛ لم يحدث شيء يمكنني وصفه بأنه كبير. في هذه المرحلة من الزمن، هذا تقييمنا الشامل للهجوم، والأهم من ذلك، عدم وقوع إصابات أو خسائر في الأرواح، سواء كانوا أميركيين أو من قوات التحالف أو من المقاولين".
*كاثرين شاكدام محللة سياسية وباحثة تهتم بشكل خاص بالملف اليمني. هي مديرة وحدة اليمن في مؤسسة القرن القادم (Next Century Foundation)، ومستشارة سابقة في الشأن اليمني في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
التعليقات