أكثر المتشائمين لم يكن ليتصور ان تواجه حكومة الياس الفخفاخ كل هذه الأزمات السياسية والطبيعية وآخرها جائحة كورونا. بعد أشهر من الولادة القيصرية العسيرة لم تصمد وعود البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الحالمة أكثر من أسبوعين ليقر رئيس الحكومة في بداية أزمة الكورونا بأن نسبة النمو قد لا تتجاوز النقطة عوضا عن نقطة ونصف المتوقعة.
طبعا كان هذا في بداية الأزمة حين كان يعتقد ان الوباء ربما ينحصر مداه في زمان ومكان محددين قبل ان تتحول أوروبا الى حاضنة للوباء وهي الشريك الاقتصادي الأول لتونس، وهو ما يعني حسابيا استحالة بلوغ حتى النقطة اليتيمة من النمو. فأوروبا أغلقت حدودها وفرضت الحجر الصحي الكلي على مواطنيها وسيؤدي ذلك حتما الى تراجع الاستهلاك الأوروبي وبالتالي وتراجع نسبة الواردات وانكماش في التبادلات التجارية بين تونس والإتحاد الأوروبي.
في حالة حرب كهذه لا أحد يتمنى ان يكون مكان حكومة الفخفاخ، فأسباب الفشل تفوق بكثير أسباب النجاح لان دور الحكومة سيكون على مدى عام على الأقل هو مسايرة الأزمة ومحاولة الخروج بأخف الضررين ولا يقين الآن بأن المجلس النيابي الحالي والذي ثلثه معارض للحكومة، يملك رغبة حقيقية في إعطاء فرصة أخرى لحكومة الفخفاخ لمواصلة المشوار بعد مرور الأزمة واستقرار الأوضاع، خاصة وان الياس الفخفاخ رفض طلب النهضة الحزب الأغلبي في مجلس النواب، بتكوين حكومة وحدة وطنية لا تقصي أحدا.
خلافا لما كان منتظرا، زاد وباء الكورونا مشهدنا السياسي تصدعا. فقد تواصل صراع الصلاحيات بين الرئاسيات الثلاثة أي رئيس الدولة ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة. لتونس تاريخ في هذه الصراعات انطلق من الصراع بين الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي ورئيس الحكومة آنذاك يوسف الشاهد حول المشروعية والنفوذ والسلطة كان سببه النظام السياسي الهجين الذي يجعل من رئيس دولة منتخب من الشعب مباشرة مسلوب القدرات أمام رئيس حكومة يختاره الحزب الفائز او رئيس الدولة نفسه.
الآن تغير محور الصراع من رئيس جمهورية ورئيس حكومة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وكلتيهما منتخب من طرف الشعب وبينهما يبدو رئيس الحكومة الأقل مشروعية انتخابية ممزقا بين رغبة كل طرف في التحكم بخيوط السلطة التنفيذية.
وفي وقت الذي كانت فيه انظار العالم تتجه نحو العلماء والباحثين المنكبّين على إيجاد دواء للفيروس المهدد للبشرية جمعاء، كانت حرب الصلاحيات الدستورية في تونس تُشعل شبكات التواصل الاجتماعي. حرب قد لا تلقي أوزارها إلا بعد انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية المقررة في افريل المقبل والتي قد تتأجل الى اجل غير مسمى بسبب الكورونا نفسها.
الدروس المستخلصة من وباء كورونا لمن يعود لرشده من العقلاء، هو ان كل الحسابات السياسية الضيقة قد تسقط في الماء وتتلاشى في لمح البصر لمجرد حادث "في سيرورة التاريخ" مهما كانت طبيعته، ولا تستطيع الإنسانية في أبهى تجلياتها العقلانية ان تقرأ له حسابا بل انها تقف عاجزة عن فهمه ومن ثمة التصدي له. إنها لعنة الطبيعة أيها السياسيين ولكن "لقد أسمعت لو ناديت حيـا...ولكن لا حياة لمـن تنـادي".
التعليقات