تقوم فلسفة العراقيين القدماء على ان الامراض والاوبئة التي تصيبهم ماهي الا غضب الالهة على سكان المنطقة، اذ تناول الادب في العراق القديم اشكال غضب الالهة ومنها اصابتهم بالأوبئة والامراض كما ورد في ملحمة اتراخاسيس ، فالملحمة تخبرنا بالاتي: عندما اصبحت البلاد واسعة جدا والناس كثر واضطرب نوم الاله انليل وصار ضجيج الناس يزعج الاله انليل فخاطب الالـهــة العظمــاء قائلا :
- " ضجيج الجنس البشري لم يعد يطاق
- صخبهــم يفقــــدني نومي
- اعطوا الامر كي يتفشى فيهم مرض الطاعون
واعتقد العراقيون القدماء ان هناك شخص اسمه اتــراخــاسـيـس قــــد سمــــع كلام الاله ايا الــــذي طلب مـنه ان يدعو شيوخ المدينة وقال له : أبدوا بالصلوات وابحثوا عـن بيت الاله نمتار( وهو اله القدر او تحديد المصير عند السومريين ) واحضروا له الخبز ولتصله القرابين وليخجل مـن الهدايا واستلم اتــراخــاسـيـس الوصايا مـن الاله ايا واجتــــمــــع مــــع شيوخ المدينة وشيدوا مــــعبدا للإله نمتار واحضروا له القرابين والهدايا ففارقهــم مرض الطاعون.

وبعد فترة من الزمن بدأ الاله انليل بالتخطيط بإنزال عقوبة ثانية عـلــى البشر بــعــد الطاعون وهي القحط إذ ان عــــدد البشر قــــد تزايد مـن جديد، وتدخل مرة ثانية الاله ايا (اله الحكمة عند العراقيين القدماء) ويدلهم على بيت الاله ادد (اله المطر) فاحضروا له خبزا وعدد كبير من القرابين ليتعاطف مــــع البشر وينزل عليهــم المطر.

- العلاج الدوائي للأوبئة في العراق القديم
حسب اعتقاد العراقيين القدماء فان العقاب ألالهي الذي اصابهم اويصيبهم هو لتنقيتهم من الآثام والذنوب، وهناك عدد كبير من الوصفات الطبية التي استخدمها العراقيين القدماء تعود اقدمها الى حوالي 2100ق.م.

اذ تتألف المادة الطبية لدى العراقيين القدماء من اعشاب متعددة الانواع ومن منتوجات حيوانية بشكل رئيسي مثل السمّن والحليب والعظام وعدد قليل من مواد معدنية، وقد استخدمت الاعشاب وحتى جذور النبات وسيقانها واوراقها وثمراتها ، بعدة اشكال منها الجاف والطري والمنقوع والمغلي، اذ كانت تمزج هذه المواد مع مواد اخرى مثل الخل والعسل، وكانت تؤخذ عن طريق الفم اوعن طريق وضعها على جسم المريض بشكل مرهم. فضلا عن استخدامهم المواد الكيمائية مثل الملح والشب والاحجار الكلسية والترسبات الطينية ويتم استخدامها عن طريق التقطير اوالترشيح والطحن ومن ثم يتم تركيبها وتبقى النباتات هي المصدر الرئيس في طب العراق القديم اذ اطلق العراقيون القدماء كلمة (شمو) (Šimranu) بالاكدية على (النبات وايضا على الدواء).

اضافة الى ان الاكتشافات الحديثة للنصوص المسمارية الطبية التي جاءت من مختلف الحقب الزمنية في تاريخ العراق القديم اوضحت ان الاطباء العراقيين كانوا على دراية وعلم كبير ومعرفة ممتازة بطبيعة جسم الانسان ووظائفه واعضاءه الداخلية والخارجية، وكانوا محيطين بكل مايصيب الانسان من امراض مثل التشنجات وتغيير لون البشرة والعينين وما يلحقه من تغيرات قد تصيبه، حتى ان العراقيين القدماء اطلقوا تسميات على عدد من اجزاء جسم الانسان واعضاءه الداخلية ظلت مستخدمه الى زمننا مثل كلمة (شريانو)(eranuŠ) باللغة الاكدية بمعنى شريان او عصب او الوريد، وترك لنا العراقيون القدماء كنوزا من الوصفات الطبية وعمل الاطباء في تلك الحقب الزمنية من خلال بيان مراحل العلاج فاولى مراحل العلاج لديهم هو الكشف عن المريض من قبل الطبيب وفحصه ثم بعد ذلك يحدد الطبيب الفترة التي يحتاجها العلاج من عدمه ، ومثال على ذلك : (اذ كان المريض يعاني من تحل لون اللسان الى اللون الابيض فان مرضه سيطول لكنه سيشفى)، فيما تبدأ المرحلة الثانية التي تصف المرض واعراضه بدقه متناهيه فضلا عن اسلوب العلاج ان كان دوائيا ام عمليا مثال : (المريض بالسعال يجب ان يشرب عرق السوس المسحوق بعد مزجه بالخمر والزيت بكميات متعادلة)، فالمرحلة الدوائية فقد تؤخذ عن طريق الفم بالشرب او الاكل او عن طريق الانف او الاذن او عن طرق اخرى بواسطة قصبة نحاسية رفيعة او قد يدهن جسم المريض بالزيوت او قد يتم تبخيره بالاعشاب المفيده له ، اما المرحلة العملية فهي قد تكون الاكثر والاصعب مثل خياطه الجروح او العمليات القيصرية او ايقاف النزيف او بتر احد اعضاء الجسم مما يتطلب مهارة ودراية لدى الطبيب المخص وهناك امراض مثل الماء في العين فقد ينصح المريض باكل نبات الكراث والكزبره اما الذي لدية الام في الاذن فينصح باكل الباقلاء.
ولعل اطرف الاعراض التي وردت بالنصوص الطبية هي : (اذ اعتلى الانسان الحزن واصبح لايستسيغ الطعام ولا الشراب وبدأ بالحديث مع نفسه ين الحين والاخر ويضحك بدون سبب فان هذه الاعراض هي لمرض (الحب)).

- مكافحة فيروس كورونا – درس من التاريخ
العراق اليوم من ضمن الدول التي تكافح فيروس كورونا ولنا في الطب العراقي القديم امثلة كبيرة على تطور الطب وتقدمه في العراق وسبق العالم في اكتشاف الادوية التي تشفي المريض وهذه ليست غريبة على العراقيين فهم اصل الحضارة واولها وماتقوم به الكوادر الطبية في الوقت الحاضر مثالا واضحا على التفاني والحرص للحفاظ على حياة المواطنين تساندها القوات الامنية البطلة.
كما نستدل من هذه السطور الوعي الكبير الذي يتمتع به العراقيون على مر العصور لمواجهة الاوبئة والامراض بالعلاج الصحيح والاجراءات الاحترازية والوقائية والعلاجية.