اتسمت السياسة النفطية في العراق منذ ٢٠٠٣ بالهدر ابتداءا من جولات التراخيص سيئة الصيت التي رهنت نفط العراق إلى الشركات النفطية الأجنبية لعشرات السنين والتي سيظهر تأثيرها المدمر بصورة فاقعة خلال هذه السنة وربما السنوات اللاحقة، مرورا بتفضيل سياسة استخراج وبيع النفط الخام على تكريره مع ما يدره ذلك من أموال طائلة للعراق وتوفير المشتقات النفطية . وآخر مشاريع الهدر الكارثية هو مشروع انبوب النفط العراقي الأردني الذي يكلف الدولة ثمانية عشر مليار دولار يتحملها العراق وحده فيما تؤول موجودات الخط في النهاية إلى الدولتين (الأردن لا يدفع دولار واحدا) بالإضافة إلى أن الخط يمر بمناطق لا زالت غير آمنة ما يتطلب توفير حماية للخط وقت انشاء وعند تشغيله ما يزيد من كلفة تصدير النفط عبره، وسبق لي ان قدمت نصيحة للحكومة العراقية بضرورة مفاتحة حكومة المملكه العربيه السعوديه على تسوية الخلافات بخصوص اعادة خط ينبع العراقي بدل خط الأردن خاصة وان أنبوب ينبع جاهز ولا يكلف الدولة اية مبالغ وهناك شركات مستعدة لإعادة تأهيل بعض التفاصيل الفنية فيه ليعود إلى العمل، ما يعطي العراق منفذ تصديري آخر بطاقة تصديرية تقدر بمليوني برميل نفط يومياً وبذات الاتفاق الذي وقعه العراق مع المملكة العربية السعودية سابقاً وانا على ثقة تامة بأن المملكة العربية السعودية ترغب ومستعدة لمساعدة العراق والانفتاح عليه بهذا المجال كما إن العراق بحاجة ماسة الى هذا المنفذ خشية اغلاق مضيق هرمز لأي سبب من الأسباب.

اسعار النفط تدنت إلى ٢٠ دولار للبرميل الواحد تذهب اغلبها (حوالي ١٨ دولار) أجور خدمة استخراج للشركات الأجنبية ما يعني ان تصدير النفط الخام غير مجدي للعراق ابداً على المدى القريب، وكان يمكن للعراق تخفيف هذا العبء من خلال انشاء مصافي نفط بطريقة BOT (نظام البناء والتشغيل وإعادة الملكية) لتكرير نفطه ما يحقق له هدفان استراتيجيان، اولهما سد النقص الحاد بالمشتقات النفطية التي لازال العراق ينفق مليارات الدولارات سنويا لسد حاجته منها ، وثانيهما وهذا الأهم انه سيكون للعراق منفذ لتصريف ملايين البراميل سنويا عبر تكريرها في مصافيه ما يدر عليه أضعاف سعر النفط الخام المصدر للخارج فيما لو تم تصديره إلى الخارج، خاصة وانه في هذه الحالة سيستفيد من إمكانية إنتاج كميات أكبر من النفط الخام خارج محددات أوبك التي ستحدد حصة العراق بما لا يتجاوز الثلاثة ملايين ونصف البرميل يوميا، بالإضافة إلى عدم امكانية العراق على تصدير اكثر من ثلاثة ملايين ونصف وذالك لمحدودية منافذه التصديرية بالاضافه الى ما يوفره ذلك من فرص عمل جديدة.

ربما هناك من يتذرع-كما فعل الوزير الأسبق حسين الشهرستاني- بصعوبة تنفيذ ذلك، أو عدم وجود شركات استثمارية ترغب بالاستثمار بالعراق، بينما الحقيقة غير ذلك وتتلخص بوجود إرادات خارجية وداخلية تحول دون ذلك بدليل عدم توقيع الوزارة على عقد مصفى الانبار الاستثماري رغم توقيع مذكرة التفاهم مع الشركة المستثمرة منذ عام ٢٠١٤، ولإثبات عدم صحة ما اقول ادعو الحكومة العراقية ووزارة النفط-ناصحا- ان تبدأ إعادة النظر في موضوع الاستثمار وتغيير القائمين على هذا القطاع لفشلهم في جلب شركات مستثمرة خلال السبعة عشر عاما الماضية، وقد سبق لي- لفهم حقيقة الامر- أن راسلت عددا من الشركات الأجنبية المرموقة للإستفسار منها عن مدى استعدادها للاستثمار في مجال تكرير النفط فأبدت عدة شركات استعدادها لذلك رغم صعوبة الوضع الأمني في العراق، واستحصلت على معلومة من احداها بأنها قادرة على انشاء ستة مصافي في العراق في آن واحد بطريقة الاستثمار BOT وتكرير ما مجموعه مليوني برميل نفط يوميا، ما سيوفر للعراق مبالغ طائلة بالإضافة إلى فرص العمل الهائلة التي سيوفرها انشاء وتشغيل ستة مصافي مرة واحدة للعاطلين عن العمل في هذا الظرف الصعب. وهذه الشركة سويدية بريطانية اسمها BAB JESI BYGG AB CO وهي واحدة من عدة شركات أبدت استعدادها للعمل في العراق.

أكرر نصيحتي للحكومة العراقية الحالية والقادمة ووزارة النفط ان تولي هذا الموضوع اهتماما استثنائيا لما له من مردودات إيجابية على أكثر من صعيد، وأن لا يبقى هذا الأمر حبيس الأمنيات وذلك بالاسراع بدعوة الشركات المؤهلة - مثل الشركة أعلاه التي تمتلك ستة مصافي لتكرير النفط حول العالم ومستعدة لإنشاء واستثمار ستة مصافي في آن واحد- وإحالة المصافي المعروضة للإستثمار بعهدتها خاصة وإن الطاقة الاستيعابية التكريرية لهذه المصافي الإستثمارية خارج حصة العراق المحددة من منظمة أوبك وسيكون العراق هو الرابح اولا وأخيرا.
نأمل أن تعيد الحكومة العراقية ووزارة النفط حساباتها وان تضع موضوع انشاء مصافي نفط بطريقة الإستثمار كأولوية قصوى.