غردت قبل أيام في حسابي تويتر بهذه التغريدة :
في تعادلية توفيق الحكيم،
أن الواحد إذا لم يجد له معادلاً : فإنه لابد أن ينقسم إلى قسمين لإعادة التوازن الطبيعي بين الإثنين. لذلك استناداً إلى تعادلية الحكيم، فإنه عندما أصبحت أمريكا القوة الوحيدة المهيمنة على العالم،اختل توازن الأمن العالمي، حتى أصبحت أمريكا ذاتها مهددة بالإنقسام مالم تبرز قوة توازنها كالصين الصاعدة بقوة.
طغيان الواحد في السياسة : نذير حرب أو إنقسام في أسوأ الأحوال... أو بروز ند آخر لذلك الواحد المسيطر قبل أن ينقسم، للحفاظ على توازن حياة البشرية في أحسن أحوالها. ٢٠٢٠ / ابريل.
انتهت التغريدة.

وما لم تسمح لي التغريدة بقوله، أن كل شيء في الحياة حسب تعادلية الحكيم يسير وسط تعادلية تحفظ التوازن في الحياة وإلا فإن خللاً ما سيحدث.
وقد طرح الحكيم أمثلة لتعادليته، على سبيل المثال لو طغا العرض على الطلب في الحالة الإقتصادية أو العكس، فإن خللاً إقتصادياً سيحدث وتكون النتيجة لكل خلل في تعادلية الأشياء وتوازنها
ذات أضرار وخيمة حسب حجم الحالة.

وكان الحكيم في تعادليته يتحدث عن سيطرة الواحد دون آخر مواز له يحفظ توازنه.. وتوازن ماحوله.
وتنطبق فكرة التوازن على صراع القوى. فعندما كان الإتحاد السوفيتي نداً موازياً لأمريكا، انقسم العالم إلى معسكرين، وبرغم استمرار الصراعات آنذاك بين القوتين العظميين النوويتين على شكل حرب باردة، إلا أن السلم والأمن العالميين لم يشهدا تهديداً وعدم إتزان أكثر مما يشهده العالم الحالي في ظل سيطرة القوة الواحدة منذ ثلاثين سنة وأقصد أمريكا. بل أن أمريكا ذاتها في ظل استبدادها بالسياسة العالمية كقوة عظمى لا قوة أخرى توازيها في ظل انهيار دولة الاتحاد السوفيتي،أصبحت تعاني من مشكلات داخلية كثيرة توحي بانشطار الوطن الأمريكي تصديقاً لتعادلية توفيق الحكيم التي تقول أن الواحد إذا لم يجد له معادلاً يوازيه ويوازنه فلابد أن ينقسم إلى إثنين.

العالم كله يعيش منذ شهرين نازلة صحية بسبب فيروس كورونا الذي أرعب سكان الكرة الأرضية دون استثناء. وكشف الخلل الكبير الذي يهدد أمريكا بالإنشطار نتيجة تمركزها كقوة عظمى بلا منافس، وذلك الشعور بالقوة لدى أمريكا دفعها للإسترخاء في الداخل، والاستبداد بكل ما هو خاضع لسيطرة القوة السياسية والعسكرية الأمريكية الخارجية وكذلك اللجوء للقوة الاقتصادية لإخضاع من يملك قدراً مؤثراً من القوة العسكرية، حتى أصبح العالم كله يخضع لسيطرة أمريكية أما بقوة السلاح أو بقوة الإقتصاد ويشعر الخاضع لقوة أمريكا بنوع من الغبن والحنق.
لكن ذلك الإستبداد السياسي الأمريكي الخارجي لم يمنع قوة أخرى كدولة الصين العظمى أن تسعى لتكون الموازن القادم لأمريكا اقتصاديا وأمنياً، ناهيك عن التفوق البشري والإرث الحضاري العريق الذي سيجعل من الصين آجلاً أم عاجلاً القوة التي يحسب لها ألف حساب.

وقد لايعرف الكثير من الناس أن بروز قوة كند مواز لأمريكا، أفضل للبشرية من استمرار قوة واحدة مستبدة، أو أن تنهار تلك القوة ، لأن في بقاء أمريكا قوة وحيدة تخضع لها كل قوى العالم خطر كبير يوازي خطرها وهي تتجه للإنهيار، وليس في مصلحة شعوب ودول العالم. لإن ذلك قد يؤدي الى تفكك منظومات دولية كثيرة وانهيارات اقتصادية كارثية أو يشعل حرباً عالمية ثالثة لايعلم الا الله كم سيتبقى على هذه الأرض من سكانها لو إندلعت الحرب.

أي أن بروز قوة عظمى موازية لأمريكا كدولة الصين التي تتقدم نحو ذلك المركز بثقة تامة، أفضل للعالم والبشرية من أن تنقسم القوة المهيمنة الواحدة ( أمريكا) إلى إثنين وربما أكثر.

قد يقول البعض، لكن العالم لم يتأثر كثيراً بتفكك الاتحاد السوفيتي وذلك صحيح، لكن الاتحاد السوفيتي لم يكن قوة موازية لأمريكا سوى في القوة العسكرية والأمنية. ولم يكن قوة اقتصادية تتحكم في اقتصاديات العالم كأمريكا.

لذلك، فإن الأفضل والمؤمل والمتوقع : أن لا تستمر أمريكا قوة مهيمنة وحيدة في ظل هذا التعري لها والمخجل أمام فيروس كورونا الذي كشف خللاً معيباً في حياة السياسة الأمريكية الداخلية التي أصبحت ضحية صراع حزبين أمريكيين لاتهمهما أمريكا بقدر مايهمهما السيطرة الخارجية وصناعة الأسلحة وكسب أموال الشعوب وإثارة الحروب على حساب القيم الأمريكية العظيمة التي تأسس عليها الدستور الأمريكي وأصبحت أمريكا بفضلها قوة عظمى.

وقد يقارن بعض الناس بين ديموقراطية أمريكا ودكتاتورية الصين. لكنه لسوء السياسة الخارجية الأمريكية، تتفوق أخلاقيات الدكتاتورية الصينية على ديموقراطية امريكا وأوروبا التي أصبحت في نظر الكثيرين من عشاق أمريكا والغرب مجرد وسيلة أخلاقية تبرر الوصول لغايات لا أخلاقية.

فليس للصين إرث استعماري لبلدان الشعوب الأخرى ونهب ثرواتهم كالإرث الغربي بشكل عام، مثلما لا يوجد لأمريكا عراقة تاريخية وحضارية كعراقة حضارة الصين التي لو استند إليها الإنسان الصيني كداعم لبروز قوته القادمة لتفوق على الأمريكي والأوروبي.

انتهى حلم الإنسان غير الأمريكي للعيش بحرية في عالم امريكا كما تصورها السينما الأمريكية وسط واقع من الديموقراطية الليبرالية التي وصفها المفكر الامريكي ذو الأصل الياباني فوكوياما في التسعينات الميلادية.. كنهاية للتاريخ ، سرعان ما تنازل عن تلك الفكرة بسبب ما بدا له من سوء تقديره وقصر نظره بعدما جلست أمريكا وحيدة على عرش نهاية التاريخ لتكشف عن عجزها أن تكون مسؤولة أمينة، وليدرك فوكوياما، أن لا جمهورية فاضلة على وجه الأرض وأن لا أمل لهذا العالم للعيش في استقرار نسبي سوى أن ينتمي إلى عالم لا تديره قوة واحدة وإنما عالم يخضع لقوى متعددة أو على الأقل لقوتين متوازيتين لا تطغى أحدهما في نفوذها على الأخرى ولتحافظا على توازن يضمن للبشرية العيش بالحد الأدنى من الإستقرار للسلم والأمن العالميين حسب تعادلية توفيق الحكيم المنبثقة من عقل ووجدان مفكر أديب، وليس استناداً الى نظرية طائشة خرجت من نشوة عقل فوكاياما لحظة انهيار دولة الاتحاد السوفيتي.

بل أن أمريكا والعالم كله بحاجة الى إنجاب مفكرين وفلاسفة يقودون الفكر الإنساني نحو مستقبل أكثر سلاماً وأماناً وحرية، بوسائل التكنلوجيا الحديثة الأكثر تطوراً والأهم نفعاً لو تم توظيفها إتباعاً للقيم الأخلاقية حسب ماتمليه عقول المفكرين والفلاسفة وليس حسب ما تفرزه أفكار سماسرة المال وصانعي القنابل ونزعات تجار الدين وشهوات عشاق التسلط!

[email protected]