من حقي شخصيا، كمدافعة عن حقوق الانسان، أن أفرح ببدء المحكمة العليا بمدينة كوبلنتس الألمانية أول محاكمة من نوعها لضابط سابق في المخابرات السورية متهما بالمشاركة في جرائم ضد الإنسانية في سوريا، ومن حقي ألا تضيع فرحتي مع كل هذه الضوضاء من حولي .

من حقي كمتعرضة للترهيب والتعذيب النفسي في الفروع الأمنية في دمشق، بسبب عملي الصحافي والحقوقي، أن أقول كفى ضجيجا، فلن تقوم العدالة الا بانفاذ القانون، وبتعاضد متسق ومترابط بين سيادة القانون وحقوق الإنسان، وباعتماد كل إعلان متعلق بسيادة القانون على الصعيدين الوطني، عندما يحين، والدولي، كلما توافر، وضمان المساءلة عن الجرائم الدولية والانتهاكات الجسيمة الأخرى لحقوق الإنسان وبدعم إنشاء آليات العدالة والمحاسبة على ألا تكون انتقائية.

ببساطة أن العدالة الانتقالية وبناء سوريا في أعقاب انتهاء الحرب لن يكون متاحا طالما بقيت منظومة الإفلات من العقاب وانعدام المساءلة قائمة، وبالتالي فان مكافحة الإفلات من العقاب ضرورية لاستعادة سيادة القانون و للمحافظة عليها في هذه المرحلة والمرحلة القادمة، وهي شبكة متكاملة متناغمة يجب احياؤها والعمل عليها باستمرار.

وأود أن أركز هنا على وجوب دعم الجهود المتواصلة لإنشاء نظم عادلة وفعالة لإقامة العدل لتستند إلى القواعد والمعايير الدولية ولتدعم سيادة القانون وتحمي جميع الحقوق مع عدم الاستكانة لمن يحاول اخافة المدافعين عن حقوق الانسان وترهيبهم.

دعوني أرتاح قليلا، وأتنفس الصعداء، و أنا أرى في أنور رسلان، وهو بين يدي المحكمة، كل ضابط أهانني وهددني وحاول اذلالي، دونما سبب، كما فعل بآلاف الضحايا ليس بغية الانتقام بل لتحقيق العدالة المرجوة.
الحقيقة التي لدينا اليوم أنه يحاكم بعدة تهم بناء على ادعاءات من الضحايا والشهود حيث قاد رسلان قسم التحقيقات في الفرع 251 التابع للمخابرات السورية، و أدار سجنا في منطقة دمشق، ولا يمكن ترك المجرمين الحقيقيين دون محاسبة.

لا للقول "أن العدالة لا تطال الا المنشقين الضعفاء" ، ولا للقول أن "المحاكمات تطال ضباطا صغار الرتب لم يكن لهم حول ولا قوة، وليس لديهم صلاحيات"، لأنهم فعلا شاركوا في القتل والتعذيب والتهديد، وقد تركوا النظام السوري، وقيل لنا أنهم انشقوا عنه لكنهم لم يعلنوا ذلك ولم يعتذروا ولم يقدموا أنفسهم للمحاكمات.

لا للقول "أن هذه المحاكمات لا تفيد الا النظام السوري لأنها لا تشجع الضباط لديه على الانشقاق أو أنها ضد الثورة "، لأنه لا نجاح للثورة الا بتنظيفها وتعقيمها ممن لا يؤمنون بها وممن يتسلقون على جدرانها.

أعرف أننا لم ننتصر بعد، وماهذه المحاكمة الا التفاتة صغيرة لنا في طريق العدالة الطويل الذي لابد أن نخوضه دون كلل، ولكن آن الأوان أن يتوقف المجتمع الدولي عن دعم بشار الأسد بحجج شتى، فلم يكن ليستمر الا عبر غض النظر عن جرائمه لسنوات، مما يدفعني لأطالب أن تكون هذه المحاكمة الخطوة الأولى باتجاه الرتب الأكبر والمناصب الأعلى، وأن تكون البداية التي ستمنع بشار الأسد وأعوانه وضباطه من الإفلات من العقاب لتجعل كل مسؤول يفكر ألف مرة قبل أن يتجاوز القانون وقبل أن يظن أن العدالة بعيدة عن أن تطاله.

*كاتبة صحافية ومدافعة عن حقوق الانسان.