مُقدمة لابُدَّ مِنها:
لا أخفيكم سراً بأني تَرَدَّدَتْ كثيراً قبل الشروع في كتابة هذه المقالة بسبب قناعتي بأن لا جدوى من الحوار مع أناس يفكرون بعقول إسفنجيّة تابِعة وذليلة بعد أن فقدوا القدرة على التفكير بموضوعية و واقعية، أناس لايزالون يتعاملون مع الضحايا بروحية الجلاد الذي لايزال يُشدد الخناق على الضحايا في عِراَقٍ يقال إنه ديِمُقْراَطِيٍّ فيدرالي حَرَّ، ولكنْ نعود اليوم مِن جديد لنَذْكُرُ بما كتبناه سَابِقًا وسنكتبه لاحقًا، لعلَّ الذِّكْرى تنفع.

عندما يتحوَّل الجلّاد إلى بَطَل (سلطان هاشم )* نموذجاً:

أمام عظمة الأهوال التي تعصف بشعبنا ووطننا وأمام الضغوطات السياسية والكوارث الإقتصادية والإجتماعية والحالة النفسية المزرية التي يعيشها أبناء شعبنا، أصبحت قضية الإبادة الجماعية ـ الأنفال ـ وضحاياها الذين يعيشون في واقع مرير وابتزاز مستمر وأهمال مُتعمد من قِبل أربيل وبغداد ليست فقط مركونة في أحدى زوايا النسيان وإنما نسمع بين حين وأخر بعض الأصوات النشاز داخل أروقة البرلمان والساحة السياسيّة في العِراق تُطالب بتفعيل مشروع المصالحة الوطنية مع كبار أزلام البعث وإطلاق سراح قادة الجيش العراقي المتورطين فى إرتكاب جرائم الإبادة الجماعية والعفو عن مرتزقة صدام من كبار قادة بعض العشائرالكوردية المتورطين في جرائم الابادة الجماعية ـ الأنفال ـ الذين شكلوا أفواجاً من أفراد عشائرهم لخدمة النظام العِراقي البائد والذين عُرفوا في المنطقة بالـ(جّحوش )(1 ).

لاأخفي عليكم إحباطي كضحية وشاهد على فصول الأنفال الدموية،عندما شاهدت قبل أيام الآف من العراقيين يشيعون جثمان وزير الدفاع الأسبق المجرم سلطان هاشم الذي أعطى الأوامرفي عام الأنفال لقادة جيشه بأن يقوموا بضرب أهالي القرى الأمنة بالأسلحة الكيمياوية وبعمليات قصف عشوائية مُكثفة بالمدافع الثقيلة والطائرات لقتل أكبرعدد ممكن من أهالي القرى المغدورة والمناطق التي سُمّيت في قاموس حزب البعث العربي الاشتراكي بالمناطق المحظورة في عام الأنفال.

لقد تم تنفيذ جريمة الأنفال تحت إشراف و قيادة المُجرم علي حسن المجيد المعروف بـ(علي الكيمياوي) وسلطان هاشم وصابرعزيزالدوري ونزار الخزرجي ووفيق السامرائي وقاسم اغا وارشد زيباري وجوهر محي الهركي و الشيخ لطيف الزيباري والشيخ صابرالسورجي وأخرين من كبارازلام النظام البائد ومرتزقته من قادة ورؤساء جحافل الدّفاع الوطنيّ ( الجًحوش ).
لقد شنّت قوات الجيش العراقي والجًحوش في عام الأنفال عمليات دموية عسكرية استخدمت فيها الأسلحة المحرمة دولياً منها: الأسلحة الكيمياوية والقنابل العنقودية والنابالم ضد القرى الأمنة في كوردستان العراق والتي أدت إلى إستشهاد عشرات الألاف من الأبرياء العُزُلُ، إضافة إلى نقل أعداد كبيرة من أهالي القرى إلى منطقة الحضر في محافظة الموصل و إلى نقرة السلمان في محافظة السماوة حيث دفنوا احياء مع عوائلهم في مقابر جماعية.

ومن الجدير بالذكر إن المحكمة العراقية الجنائية العليا إستندت في حكمها على كبار رموز النظام البعثي الفاشي على أطنان من الكُتب الرسمية الموقعة بتواقيع المتهمين والوثائق الدامغة الاخرى الصادرة من مكاتب ومقرات وفيالق وسجون النظام البائد ومكتب رئيس الجمهوريه وبتوقيع صدام حسين شخصياً وبتواقيع كبارأزلامه الذين نفذوا جرائم الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى إفادات الشهود ـ الاثبات ـ عن ممارسات بعثية دموية فاقت الخيال في بشاعتها وحالات الاختفاء والتهجير والتعذيب والسلخ وغيرها من جرائم النظام البائد التي نُفذت تحت إمرة علي الكيمياوي وسلطان هاشم واخرين من كبار أزلام السلطة البائدة الذين مثلَ قسم منهم أمام المحكمة العراقية الجنائية العليا.

و تفاجئت اكثر عنما إطلعتُ على بيان تحالف القوى العراقية (الكتلة الاكبر لممثلي المكون السني داخل البرلمان بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي)، البيان الصادر في 20 تموز الحالي بمناسبة وفاة المجرم سلطان هاشم أحد كبار رموز النظام البعثي الفاشي، حيث جاء في البيان : (بمزيد من الحزن والأسى ينعي تحالف القوى العراقية الفريق الأول الركن سلطان هاشم أحمد، وزير الدفاع العراقي الأسبق، والذي كان عنوانا للعسكرية العراقية الوطنية والمهنية الخاصة، وقائد الجيش العراقي في اصعب معارك الدفاع عن حدود العراق وتحرير أرضه. لقد كان المغفور له دور ( مشهود ) في تأهيل المؤسسة العسكرية العراقية والحفاظ عليها، وهو ماشهد به قادة الجيش العراقي اليوم، الذين تتلمذوا على يده، من حيث الولاء والإخلاص والعفة وحب الوطن وحماية المواطن.

ونحن في تحالف القوى العراقية، إذ نعزي أنفسنا والجيش العراقي والمؤسسة العسكرية بوفاة الفريق الأول الركن سلطان هاشم وزير الدفاع الأسبق، نتقدم بخالص المواساة إلى ذوي المغفور له، سائلين الله عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، ويمهمنا واهله ومحبيه الصبر والسلوان.

داعين القوى السياسية إلى وقفة جادة لتفعيل مشروع المصالحة الوطنية ( المعطل )، والمبادرة بإطلاق سراح قادة الجيش العراقي الباسل، الذين يشهد لهم الجميع بوطنيتهم ومهنيتهم وولائهم لبلدهم والتزامهم بمهامهم وتقديسهم للشرف العسكري، ولكي لا نعيد ماساة وفاة القائد ( سلطان هاشم أهمد ) رحمه الله في المعتقل، بعيدا عن ذويه وأهله، وبما يعزز مكانة المؤسسة العسكرية مجتمعيا. إنا لله وإنا إليه راجعون ـ تحالف القوى العراقية ـ 20 تموز 2020. )

وهنا اسأل كضحية وكشاهد على جرائم البعث الفاشي، اسأل تحالف القوى العراقية وكل الذين يصِفون المجرم سلطان هاشم بانه كان بطلاً و قائداً حكيماً وكبيراً، ومجاهداً عظيماً, أسأل : هل البطل يقتل الاطفال والنساء والشيوخ والشباب؟ هل البطل يقتل الطيور والحيوانات ويفجر الينابيع ويحرق الارض ويهدم الجوامع والأديرة والكنائس ؟ هل البطل يجزّ الرؤوس ؟ هل البطل يطلب من مرجعه إستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضد ابناء وطنه ؟ هل البطل يُنفذ الجرائم ضدّ الإنسانية والتي تشمل :الإبادة، القتل العمد، إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان, إضطهاد أية جماعة محدّدة أو مجموع محدّد من السكان لأسباب سياسية أو عرفية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس ؟ هل البطل ينفذ جرائم الإبادة الجماعية والتي تشمل: قتل أفراد الجماعة, إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، إخضاع الجماعة عمدًا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليًا أو جزئيًا كما حصل في الأنفال؟

لا، لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ أبطالاً حقاً لتركوا صفوف البعث الفاشي وإلتحقوا بصفوف القوى الوطنية التي كانت تناضل نضالاً مريراً ضد الدكتاتورية البعثية كقادة ومراتب محترفين رفضوا ان يكونوا عبيداً في دولة البساطيل والقادة العرفاء، مع الأحترام لمهنة العريف, أو لهربوا واختاروا المنفى والعيش على بعد الأف الأميال عن جمهورية القتل والأنفالات والغزوات أُسوَةٌ بالعسكريين الوطنيين الذين هربوا من بطش الدكتاتوررافضين أوامره لقتل الأبرياء, وبذالك مثلوا عن صدق المؤسسة العسكرية العِراقية العريقة.
يتبع
ــــــــــــــــــــــ
* شارك سلطان هاشم أحمد حسب اعترافه بالعديد من المعارك والحروب منها :الحروب العربية الصهيونية ( 1967م - 1968م ) على الجبهة الأردنية،حرب تشرين ( 1973م ) على الجبهة السورية، حركات الشمال،حرب القادسية الثانية ( 1980م - 1988م), عمليات الأنفال , حرب أم المعارك ( 1991م )،حرب الإستنزاف والحصار ( 1990م - 2003م ) وعليه تم تكريمة عشرات المرات من قبل صدام حسين وحصل على العشرات من الأوسمة والأنواط ابرزها :نوط الشجاعة - عدد ـ 30،نوط الإستحقاق العالي ـ عدد ـ 4،نوط حرب تشرين 1973،نوط الجريح،شارة أم المعارك،سيف القادسية من الدرجة الأولى،سيف أم المعارك من الدرجة الأولى،وسام الرافدين / النوع العسكري من الدرجة الاولى - عدد ـ 2،وسام الرافدين / النوع العسكري من الدرجة الثانية والثالثة - عدد ـ 3،وسام القادسية من الدرجة الأولى،وسام أم المعارك من الدرجة الأولى.
1 ـ أفواج الدّفاع الوطنيّ ـ جاش : كلمة جاش ماخوذة من كلمة الجحش وتعني ( ولد الحمار) و الكلمة كانت تطلق على المرتزقة الكورد المسلحين الذين استخدمهم صدام كعملاء اذلاء لمحاربة ابناء جلدتهم في صفوف الحركة الكوردية، بلغ عدد منتسبي الافواج اكثر من (450 ) الف مسلح (وفق صحيفة الثورة الصدامية في نوروز21 /3/ 1985 ) و اكثر من ( 500 ) فوج حسب تصريح المجرم سلطان هاشم قائد عمليات الانفال. راجع وثائق وكتب وتقاريرأمرالفيلق الخامس اللواء الركن المدعو يونس محمد الذرب، التقارير التي اعتمدت عليها المحكمة الجنائية العراقية العليا بشكل رئيسي في قضية الانفال كوثائق دامغة وصادرة من ( قائد عمليات الانفال ), ومن الجدير بالذكر ان جميع التقارير تؤكد على مساهمة (الجّحوش ) والاعتماد عليهم بالدرجة الاولى لانجاز وانجاح جريمة الانفال. ولمعرفة المزيد عن دور هؤلاء الجحوش في عمليات الانفال راجع جرائد النظام العراقي البائد ومنها صحيفة ( الثورة، العراق،هاوكاري، بين عاميّ 1978 - 1988 ).