كثيرا ما تصدمنا جرائم التحرش والاغتصاب التي تتعرض لها الكثير من النساء والأطفال، تنتهي بمأساة حقيقية على ضحية هذه الجريمة، سواء من حالة نفسية حادة، ومعاملة سيئة من أهلها أو نظرة المجتمع الذي يضعها في خانة (الخطيئة)، غالبا ما تبدأ البلبلة على الضحية وعن كونها السبب في دفع المجرم إلى التحرش بها واستباحتها، لكن المسألة لا يمكن قراءتها من زاوية واحدة وعلى مقاس العقل الذكوري الذي غالبا ما يلقي المسؤولية كاملة على الأنثى.

قد أسرد الآن قصة حزينة ومؤلمة ومخيبة للآمال، لكنها حدثت فعلا. في إحدى الأيام كانت هناك عجوز استقلت سيارة أجرة وهي طاعنة في السن تم أخذها إلى مكان نائي ليتم اغتصابها من طرف (ذكور)، لم تتحمل المرأة العجوز وقع الصدمة فماتت بألمها دون أن تتمكن من الصراخ عاليا لأخذ حقها من هؤلاء المجرمين، الذين لارادع قانوني وأخلاقي لهم .

مازلنا نسمع بشكل يومي عن طفل وعن امرأة تتعرض للتحرش، ويوما بعد يوم يزداد المتحرشون نهما، يمارسون جريمتهم بكل أريحة، لأنهم لا يجدون من يضع على أعناقهم حبل العقوبة الصارمة التي تقمع توحشهم واعتداءاتهم التي تتسبب في نكسات حقيقية للمرأة(قلب المجتمع والنواة الأولى فيه) أو الطفل (شاب المستقبل وأمل المجتمعات) .

*جريمتا التحرش والاغتصاب في ارتفاع..والمجتمع مازال يلوم الضحية*

قبل أن أكون إعلامية، أنا خريجة الحقوق و تدرجت في المحاماة، كان الألم حينها يعصر قلبي، عندما تأتيك أم تطلب منك المشورة في من تحرش أو اغتصب ابنتها أو طفلها، وهي تؤكد أن ابنتها عالية الأخلاق وأنها كانت في طريقها إلى المدرسة أو الجامعة وتم اختطافها واغتصابها ورميها وأحيانا قتلها، تسألك ماذا تفعل، أحسست ساعتها أن تلك الأم تريد الانتقام من المجرمين، لكنها في نفس الوقت خائفة من الفضيحة والمجتمع.

علينا أن نكون موضوعين في معالجة هذا الموضوع، دون إعمال عواطفنا، إن التحرش والاغتصاب جريمتين تعاقب عليهما مختلف القوانين والشرائع، ومن يتحمل المسؤولية الجنائية هو مرتكب الفعل وحده، وما تتعرض له البنات والأطفال بشكل يومي هو نتيجة لتهاون المجتمع مع هؤلاء المجرمين، وإلقاء اللوم المستمر على البنات، ما أعتبره تبريرا لهؤلاء للتمادي وتجاوز الخطوط الحمراء.

تقول لي سيدة في الثمانين من عمرها، أن نسبة التحرش والاغتصاب كانت قليلة في أيامهن، لأن المتحرش كان يخاف من نظرة المجتمع له، فكان ذلك يشكل رادعا كبيرا له، فالمجتمع حاليا يتحمل مسؤوليته في عدم الضغط على هؤلاء المتحرشين، طالما بقي يلوم الضحية التي وقعت فريسة لأولئك الوحوش.

*ضرورة تشديد العقوبة على جريمتي الاغتصاب والتحرش*

لاوجود لمجتمعات ملائكية، القوانين هي من يضبط سيرها ويحافظ على أمنها واستقرارها ويردع الأفراد عن ارتكاب الجرائم، ونظرا للتطور الذي تشهده المجتمعات في مختلف المجالات وارتفاع نسبة السكان وصعوبة المعيشة، جعل من معدل الجريمة في ازدياد، الأمر الذي دفع علماء الاجتماع والقانون إلى دراسة هذه الجرائم من كل جوانبها لتجنيب المجتمع الكثير من شرها لما باتت تشكله من هاجس وقلق كبير.

اقتنع المشرع في مختلف الأنظمة القانونية أن تشديد العقوبة يشكل رادعا لمن يفكر في ارتكاب أي نوع من أنواع الجريمة، ولاشك أن جريمتي التحرش والاغتصاب ارتفعت نسبتهما كثيرا بسبب عدم مواكبة القوانين لما يحصل، وعدم تطبيق القوانين بصرامة.

إن وصول الجاني حد التخلص من الضحية بعد اغتصابها وقتلها أصبح ظاهرة مقلقة جدا إلى درجة أن البعض بدأ يرفع الصوت لتفعيل عقوبة الإعدام للحد من تفشي هذه الجرائم، بالنظر إلى الوحشية التي يتعامل بها المجرم مع الضحية، لأنه يعلم أنه سيفلت من القانون أو سيمضي سنوات في السجن قد تنتهي في لحظة بخروجه عبر العفو العام.

إن المشرع مطالب بإعادة النظر في القوانين ومدى ملاءمتها مع الظروف الراهنة، خاصة مع التطور الذي تشهده المجتمعات، من أجل حمايتها، ومطلوب من السلطة التنفيذية تنفيذ القوانين وعدم التراخي ليحل الأمن في المجتمع ويتعافى من هذه الجرائم.

*كاتبة وإعلامية جزائرية