ستتكرر تلك الأحداث بصور مختلفة لأن القضية واحدة ولم تُحسم بعد(قضية العلمانية والدين)، فلو طرحنا هذا السؤال:
لماذا أقدم هذا التلميذ المسلم على قتل معلمه؟

سيكون الجواب: لأنه لا يؤمن بالحرية، وماهي الحرية؟ أن تفعل وتقول ما تريد دون أن يترتب على فعلك أو قولك أي أذى أو ضرر يمكن أن يطال الآخرين(لا أريد الخوض في مسألة حدود الحرية والمعيار لأن الموضوع مجرد إشارات سريعة)، كيف تكون الحرية؟ تكون الحرية من خلال الدول التي تقوم على العلمانية والليبرالية في دستورها ونظامها.
لو أخذنا موقف المعلم الفرنسي وحللناه كالتالي:

هذا المعلم لا يؤمن بالإسلام، وبالتالي لا يُعتبر رسول الإسلام رمزاً مقدساً بالنسبة له، وبالتالي من الطبيعي أن يُبدي رأياً لن يرضي التلميذ المسلم، لكنه لم يسيء للتلميذ المسلم بالقول أو الفعل، سنجد أن المعلم الفرنسي يقوم بدور طبيعي خصوصاً وأنه في بلده الذي يكفل له ذلك، ثم إذا كان الله جلَّ جلاله وهو الخالق العظيم قد ناله النقد والسخرية في تلك المجتمعات، فمن باب أولى أن يحظى الأنبياء عليهم السلام وغيرهم بنصيبهم من النقد والسخرية.
ولو كان هذا المعلم الفرنسي في دولة عربية مسلمة وقام بما قام به فإنه لا يحق لأي مسلم قتله، وإنما تقديم شكوى عليه لدى الجهات المختصة.

الإنسان العربي المسلم يعاني من صعوبات أشد من تلك الصعوبات التي كان يعانيها الإنسان المسيحي في أوروبا، من أبرزها اعتقاد كل مسلم بامتلاكه الحقيقة المطلقة وأن الدين شامل لكل شيء، بخلاف المسيحي الذي كان يرى الدين مجرد اعتراف بيسوع إلهاً ومخلصاً والمحافظة على سر الاعتراف ويكفي ذلك(هذا على مستوى الفرد العادي ولا أقصد رجال الكهنوت الذين كانوا قلة ولكنهم كانوا المتحكمين)، لذا عند مجيء العلمانية لم يجدوا أي صعوبات في تقبُّلها لأنها كانت إلى حدٍ كبير موجودة كقناعات يميل إليها المسيحي.

المسلمون وخصوصاً في عصرنا هذا أصبحوا ثلاثة أصناف:
١.أكثر تشبُّثاً بدينه لأنه ينطلق من أحاديث تجعله في حالة خوف وتوجُّس وحذر دائم(يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر...إلخ) وكل ما يحدث من تغيرات يجعله بصورة تلقائية يستحضر تلك النصوص الدينية فيزداد رفضاً وتطرفاً وعزلةً.
٢.مسلم ترك الدين والإيمان بالكلية أو بحث عن دين آخر إما ليُشبع به عقله وقلبه أو ليكون طريق للخلاص من العالم العربي عن طريق اللجوء إلى دولة غربية يجد فيها ما يفتقده في وطنه العربي الإسلامي من حريات وحقوق.
٣.مسلم أصبح يرى الدين مجرد علاقة بين الفرد وخالقه ولا يجب أن يتجاوزه إلى أي قضايا دنيوية، فأصبح من أنصار(العلمانية، الليبرالية، الحداثة...إلخ)، وهذا الصنف لا زال قليل ولا زال مُحارَب.

الحقيقة والمُلاحَظ هو أن المسلم يشعر أنه مُضطهَد وأن العالم يتآمر عليه بما فيهم الحكومات العربية التي يراها عملاء للغرب، ولا أبالغ لو قلت أنه في كل أسرة مسلمة يوجد من يعتقد بذلك! لو قمت بأخذ جولة سريعة على حسابات بعض المسلمين في تويتر ستجد نسبة ليست قليلة تبارك ما قام به التلميذ المجرم وتلتمس له الأعذار! وهذا أمر ينبغي أن يكون مدعاة للخوف والقلق عند من لديهم ولو ذرة من الإنسانية والرحمة. المسلم لديه ازدواجية عجيبة وذات طابع فريد لا يمكن أن تجدها عند غيره، يعيش أو يعمل أو يسافر إلى دول علمانية ويستمتع بحياته مع أسرته هناك أو يتعلم في جامعاتهم ويستفيد من خبراتهم، ولكنه في الوقت نفسه وعندما يعود إلى بلده تجده يعادي تلك الشعوب ويراهم أحفاد قردة وخنازير ويرفض احترام أديان تلك المجتمعات ويرفض أن ينالوا حرية ممارسة شعائرهم، وإذا سألته لماذا؛ أجابك بكل حماقة ووقاحة:

نحنُ على حق وهم على باطل!

الاعتراف طريق لإيجاد الحلول، وأعتقد أنه لايوجد حل لإنهاء نزعة التطرف الموجودة في وجدان بعض المسلمين سوى من خلال قيام الحكومات العربية بتبني العلمانية بصورة واضحة ومباشرة، أعلم أنه من الصعب الإقدام على ذلك بصورة سريعة، لكن عندما نتيقَّن أن هذا هو الطريق الوحيد للنهوض ولا طريق آخر سوى الوهم واجترار الماضي والمزيد من التخبط والرجوع والتقهقر، سيكون ذلك أسهل وأكثر مدعاة للإقدام عليها وتحويلها إلى واقع طال انتظاره.