ربما يجدر الاشارة قبل قراءة هذا الطرح بأنه مجرد انطباع وتأمل فى حالة جدلية طالت هذا النوع من المشروبات، وهذه الجدلية تاريخية وليست وليدة اليوم بل هى منذ آلاف السنين مذ وجدت آثار هذا المركب السحرى وأدواته فى تراث كل الحضارات القديمة.

وعبارة مشروبات روحية على واجهة محلات بيع الخمور فى عموم القطر (مصر )كانت هى الشائعه، ومذ وعيت على شئ من الاهتمام الثقافى ظلت العبارة بالنسبة لى مبهمه تحتاج الى تفسير، فما علاقة هذه المشروبات بالارواح، ولماذا بقية المشروبات (غير روحية) وماهو تأثير هذه المشروبات على جسم الانسان وسلوكه ؟

والمعروف أن المكون الرئيس لهذا المشروب فى أبسط صورة هومركب عضوى عبارة عن ذرات كربون وهيدروجين ناتج عن خمائر بكتيرية تعمل فى سكر الفاكهة أو الحبوب، ونحن نتحدث عن كحول (الايثانول ) وهو الوحيد الصالح للاستهلاك الآدمى وليس (الميثانول) الناتج عن تقطير الخشب أو الكحوليات الاخرى الناتجه من المركبات البتروكيميائية.

ولكل شعب مشروبه (الروحى ) الناتج عن تخمير فاكهته أو محصوله السائد بدءا من قصب السكر أو التمر أو العنب أو التفاح أو الشعير أو الأرز وغيره ويصبح ثقافه مرتبطه بكل مناسباته الاحتفالية وغير الاحتفاليه المفرحة والحزينه العامة والخاصة، وبسبب تأثيره على جسد ونفس الانسان حظى بمالم يحظ به مشروب غيرة من جدل واهتمام فى الشعر والادب والفلسفة والدين، ففى الشعر كان للخمر شاعرها وفى الدين كان لها فقيهها، وشاعرها كان أبو نواس قال فيها ماعن له أن يقول مدحا وترغيبا ووصفا وهياما وعشقا، أما فقيهها المفوه فكان ابن مالك الذى ضرب به المثل فى هجائها وتحريمها ولعنها وتكفير صانعها وبائعها وشاربها وساقيها.

والثقافات الانسانية على اختلاف جغرافيتها صورتها ملاذا أخيرا للهروب من المآسى وتخفيفا من الهموم، فتأثيرها الفسيولوجى على كيمياء المخ البشرى يوقف الاتصال مؤقتا ببعض أجزاء منه وخصوصا تلك المعروفة بمناطق احتباس الهموم والأحزان، مما يجعل لحظات احتسائها قرينا بلحظات سعاده وانتشاء تجعل الانسان عاشقا لتأثيرها السحرى وخصوصا مع صحبه منتقاه لهم نفس المشارب والأهواء، كما وأن تأثيرها على سريان الدماء وتوسيع شرايين الأطراف مما يبعث الدفئ فى ليالى الشتاء القارس فما بالك عندما تجتمع السعادة والدفئ والصحبة وتتخفف الأرواح من همومها ويعيش الانسان حالة سعادة روحية ولو أنها مؤقته ولها عواقبها على بعض أعضاء الجسم لكنها كافية للربط بين هذا المشروب السحرى والأرواح ومن هنا جاءت التسمية مشروبات روحية.

لكن مشروب روحى آخر أكثر تأثيرا فى اسعاد الأرواح اكتشفه الزهاد المتأملون المتصوفة الأوائل وهو الحب، وهو مركب من ذرات روحية متآلفة تجعل روح الانسان هائمة فى سحابة من السلام والهدوء والشفافية ولا يرتبط ذلك بجرعة أو كأس أو صحبه لكنها حالة صفاء روحى مستدامه لا يعكر صفوها شئ أو أحد ولا يستطيع أحد نزعها من القلوب، وكما وصم مدمنى الكحول ومتعاطوه بكل الموبقات وصم أيضا هؤلاء مدمنى الحب ومتعاطوه ونالوا ماهو أبشع ذبحوا وسجنوا وشردوا وعذبوا لا لشئ سوى أنهم عطلوا مراكز الكراهية فى الضمير البشرى وتعاطوا خمر الحب الحب الانسانى أو الحب الالهى وجعلوه مذهبا وطريقا للوصول الى الغايات السامية ويقول ابن عربى :

أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب دينى وايمانى

وكما قال ابن عربى وهو الشيخ الأكبر قال أيضا سلطان العاشقين ابن الفارض وغيرهم كثر قالوا وأسهبوا فى وصف الحب وتأثيره على الروح البشرية ونالوا نصيبا من اللعنات أوفر من شاربى الخمر فى الكؤوس فكل نا ل جزاء مشروبه الروحى.