إقليم كوردستان يواجه أخطر وأسوأ أزمة سياسية واقتصادية في تاريخه:
كان يمكن لإقليم كوردستان ان يكون الأن في وضع مختلف تماماً. وكان يمكن ان يتغيير مصير الشعب على نحو جذري عما هو عليه الأن من حال البؤس والفاقة والعوز والفقر وانعدام الخدمات الرئيسية والبطالة وكبت الحريات العامة ومصادرة الحقوق الانسانية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
كان يمكن ان يحدث هذا كله منذ عقود لو ان الاحزاب الكوردية وبدون استثناء ( من اقصى اليمين الى اقصى اليسار ) كانوا يعملون من اجل سعادة الشعب وليس من اجل انتهاج سياسة التفرد والتبعية والاستئثار والاحتكار لدى اكثرية الاحزاب والحركات السياسية ( الحاكمة والمعارضة ).

واليوم وبعد ان تعرت الحقائق , وسقطت كل محاولات الاحزاب الحاكمة والمعارضة أيْضاً , التسترعلى ما جرى ويجري في الإقليم , بات لزاما على الشعب , تشديد النضال وتفعيل النشاط الشعبي المعارض والارتقاء به الى مستوى نوعي جديد , عن طريق تطعيمه قبل كل شيء , بعنصر التظيم الضروري. ولكن للاسف ان ما نراه اليوم هو عكس ذالك , والسبب يرجع إلى عدم وجود حزب او حركة معارضة حقيقية تقود وتنظم الشارع ميدانيًا.

التظاهرات الاحتجاجية في إقليم كوردستان:
منذ أيام تشهد مدن إقليم كوردستان ( إدارة السليمانية )اسوة ببغداد العاصمة ومدن الجنوب الاخرى مظاهرات شعبية واسعة ضد الظلم والتجويع الممنهج من قبل عفاريت السلطة.

لقد تصاعد غضب المتظاهرين (الغالبية العظمى من فئة الشباب )، بعد تزايد المواجهات مع الأجهزة الأمنية التي استخدمت الذخيرة الحية و الغازالمسيل للدموع لقمع وتفريق المتظاهرين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة.
هناك 32 حزب بالتمام والكمال في إقليم كوردستان ولكن للاسف لا احد من هذه الاحزاب يمثل الشعب ( هذا كلام احد المتظاهرين اليوم في مدينة رانيا ) , وان خروج هؤلاء الشباب من الفئات المهمشة المظلومة من دون توجيه ودون قيادة من جهة , واحراق المقرات الاحزاب المعارضة قبل مقرات الاحزاب الحاكمة)من جهة ثانية , يعدّ ذلك دليلاً على صحة كلام المتظاهرالذي قال ( لااحد يمثلنا ) والذي كان يقف وسط تجمع من المتظاهرين الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع بسبب الفساد الذي نخرمؤسسات الإقليم وبسبب تاخرالرواتب وضعف الخدمات وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب نتيجة تسلط الأحزاب المتنفذة على مفاصل الحكم والادارات في الإقليم.
يشعر المتظاهر اليوم بالنقمة على الطبقة الحاكمة التي تدير الإقليم منذ عام 1992 ولحد هذه اللحظة، كما يشعر بالأسى تجاه نوعية الحياة التي يعيشه في ظل حكم كوردي شبه مستقل عن بغداد.فلحد هذه اللحظة لا يوجد حزب سياسي ( معارض او حاكم ) يتحدث عن منجزات حققها للشعب خلال العقود الماضية ,جميعهم يتحدثون بوعود مستقبيلة كاذبة , وعود تبقى حبر على ورق وهي ليست اكثر من

ابر تخدير.
لماذا فقد الشعب ثقته بالاحزاب المعارضة:
فقد الشعب ثقته بجميع الاحزاب منها التي كانت تدعي بانها تدافع عن الشعب وتقف ضد سياسة الاحزاب الحاكمة , وذالك نتيجة فشلها في تطبيق برامجها وتطبيق الشعارات الكبيرة التي رفعتها خلال الانتخابات وتورطها بصفقات الفساد , إضافة إلى انها لم تفشل فقط في مواجهة تمدد وهيمنة الحزبين الكبيرين على مفاصل الحكم والادارات في الإقليم كما كان تدعي , بل اصبحت جزء من السلطة , وان الانشقاقات التي حصلت مؤخرا داخل احزاب المعارضة دليل واضح على جوانب الخلل والقصوروالفشل في سياستها العامة.
ماذا يحدث اليوم في الإقليم ولماذا؟

ان ما يجري اليوم في إقليم كوردستان هو غضب واستياء عفوي شعبي تام من الاحزاب المعارضة الفاشلة من جهة , ومن السياسات الحكومية التي امتدت على مدى 29 عاماً، وخلفت الكثير من التراكمات والمشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية , وفي مقدمتها تفشي وباء المحسوبية والمنسوبية التي وضعت غير المؤهلين في مواضع صنع القرار، يضاف إلى ذلك الفساد المستشري في جميع مؤسسات الإقليم.

ماهومصير الحراك الشعبي في الإقليم؟

حسب رأيي المتواضع وحسب معايشتي الميدانية للحراك الشعبي السابق والحالي اقول , لا اتوقع أن تحدث التظاهرات (بصورتها العفوية الحالية)التي خرجت قبل أيام تغييراً جذرياً في سياسات حكومة الإقليم التي تسخر كل امكانياتها ومؤسساتها الامنية والعسكرية لأجهاض واسكات اي صوت ينادي بالتغيير.

فعلى الرغم من أن الشعارات التي رفعها الشبيبة المنتفضة والمفعمة بروح التحدي ضد السلطة التي حرمهم من حقوقهم المشروعة، وهي العيش بكرامة أسوة بباقي البلدان التي تحترم إرادات شعوبها , على الرغم من أن الشعارات تؤكد على الوعي والثقافة والحزم والحرص والروح الوطنية التي يحملونها , الا ان التجارب والاحداث الماضية المحلية والعربية والعالمية تؤكد بان نجاح التظاهرات واستمراريتها بحاجة إلى تنسيقات أو قيادة حقيقية ميدانية عابرة لكل الفئات الحزبية الحالية , قيادة واعية تمثلها لغرض تنظيم طاقات المتظاهرين وتامين ادارتها السلمية وتخليصها من العفوية والمناطقية ,لتشمل جميع المدن في الإقليم والسير قُدماً إلى الامام من اجل تغيير الواقع المزري الذي بات ليس الان وانما منذ سنوات بات مُلحًا.
وفي الختام يبقى السؤال الأهم:

هل تريد هذه التظاهرات العفوية الوصول إلى ثورة أم انتفاضة أو طرح مجموعة من المطالب الاقتصادية ,كالتظاهرات السابقة التي استطاعت الحكومة تحجيمها وعرقلة توسعا وانحرافها واحتواء وتسويف مطالبها ثم اخمادها وذالك بسبب انعدام القيادة الميدانية وغياب الخطة الشاملة والواقعية لتوجيه وتنظيم طاقات الجماهير الغاضبة التي تشتد معاناتهم يومًا بعد يوم، في ظل تجاهل الحكومة لمعانات ومطاليب الشعب؟