كما تعلمون يا حضرة الرئيس مسعود برزاني، ورغم مرور سنوات عديدة قاسية بمعاناتها والامها على كرد العراق بسبب استبداد وطغيان الحكم الفاشل الفاسد القائم للحزبين الحاكمين باقليم كردستان، بقيتم على حالكم لا تتقبلون أي افكار او مبادرات او مقترحات لمعالجة الاوضاع المتردية، وبات الامر للعيان وكأنكم سلطان مقدس متربع على كوكب والشعب بمعاناته القاسية في كوكب اخر.

وفي ظل الحكم العائلي الفاشل المتسم بالفرهدة والسرقات المتواصلة لثروات شعب الاقليم، الا ان المشكلة الكبرى لم تكن تكمن في حقيقة الامر فقط بالفساد، وانما كانت تكمن في تسلط العوائل الحاكمة لبرزاني وطالباني وللمسؤولين والاثرياء والاغنياء الفاحشين على الحكم وتحكمها بجميع القطاعات الاقتصادية والمالية والتجارية والسلطات الرئاسية والحكومية والحزبية والامنية والعسكرية، والمشكلة الاكبر ان هذه العوائل تسببت بتقسيم المجتمع الكردي الى أقلية تملك بالسحط الحرام ثروات وموارد تقدر بعشرات المليارات من الدولار، واغلبية محرومة بدأت تفقد الموارد الاساسية لمقومات الحياة من جراء استبداد وطغيان الاقلية الحاكمة.

ومن المآسي الطويلة الهدامة لكرد العراق يا حضرة الرئيس برزاني، ان النظام الحاكم من الحزبين الرئيسين بالاقليم، من سنة الانتفاضة ولحد الان، لم يتبنى اي خطة وطنية استراتيجية للبناء التنموي على مستوى الافراد خاصة، ولم يقم باي مشاريع انتاجية طويلة الامد لخدمة وامتصاص شرائح ومكونات القوة البشرية للاقليم، وذلك لضمان حاضر ومستقبل المواطنين، ولم يقم بتوفير اي فرص عمل انتاجية وخدمية لامتصاص البطالة وتشغيل المكونات الشبابية بمشاريع منتجة ونافعة لصالح المجتمع واقتصاديات البلد.

وما قام به النظام الحاكم من تعيينات حزبية ووظيفية بمئات الالوف، وفق مفهوم الفضائيات المسخرة لخدمة الحزب والعائلة والشخص، كانت كارثة جلبت أزمات مالية خطيرة للاقليم، هذه الآلية الفاسدة فرضت كتلة بشرية هائلة متطفلة غير منتجة بدواعي حزبية انتخابية مزورة على حساب الكرد والاقليم، ومن خلالها فرضت عبودية جديدة للولاء والانتماء للحزب والقيم الرذيلة.

لكل هذا يا حضرة الرئيس، وبسبب التحايل والخدع والاكاذيب والدجل والسلوكيات اللاشرعية والممارسات اللاقانونية التي تقوم بها السلطة الحاكمة بالاقليم من سنوات عديدة، والاصرار المتواصل منها على النهب المستمر للموارد والثروات وسرقة رواتب الموظفين، اندلعت شرارة تظاهرات شبابية ضد سلاطين الحكم القائم وخاصة بمدينة السليمانية مركز نفوذ حزب الاتحاد الوطني، ووصلت الاحتجاجات نتيجة ردود الافعال العنيفة الى حد حرق بعض المباني الحكومية والمقرات الحزبية.

واضافة الى ذلك يا حضرة الرئيس، نجد ان فقدان مصداقية وثقة المواطن والموظف بالحكومة وبالحزبين الحاكمين، بات من الحقائق المشهودة لها والمسببة لتدهور الاوضاع، وفوقها فقدان ثقة الحكومة الاتحادية بحكومة الاقليم، وعدم ايفاء الاخيرة بوعودها والتزاماتها التفاوضية، وهذا الامر المخجل بات من الحقائق المرة المؤلمة للمواقف السياسية المحسوبة على كرد العراق، رغم ان الافعال التي ترتبط بالمفاوضات بين وفود حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية هي لاطراف حزبية وعائلية ومافوية متحكمة بزمام الحكم، وليس للشعب، وهذا ما كشف النوايا غير الجادة لدى الطرفين لايصال المباحثات بين اربيل وبغداد الى نتائج مثمرة، وبالحقيقة فان مسألة فقدان الثقة والمصداقية ليست من الخصال الحميدة للكرد، وما تقوم به حكومة الاقليم، عيب سياسي واجتماعي كبير يلحق غدرا وبهتانا بشعب اقليم كردستان من جراء المواقف اللاوطنية للسلطة الحاكمة، ومن جراء الفساد والطغيان للحكم المستبد المتشبع بالغدر والاستغلال ونهب الثروات العامة للمواطنين.

والمؤسف وخلال المفاوضات الاخيرة بين حكومة اربيل والحكومة الاتحادية يا حضرة الرئيس برزاني، انكشفت ان نظرة بغداد تجاه حكومة الاقليم متشائمة جدا بسبب السياقات التفاوضية الخاطئة والقاتلة الى سارت عليها حكومة اربيل، وتتلخص الرسائل السلبية لبغداد بما يلي:

(1): فقدان ثقة بغداد باربيل وبكل السلطات الحكومية والحزبية والعائلية، والمفاوضات البائسة الجارية التي تتشبث بها حكومة الحزبين الحاكمين عاجزة وعقيمة.

(2): الوعود التي تطرحها الوفود باسم حكومة الاقليم في بغداد فارغة وغير موثوقة، ولا قيمة لها ولا يحسب لها اي حساب، لان مفاوصات واتفاقيات السنوات الماضية شهدت وعودا ولم تنفذ منها وعدا.

(3): رئاسة الوفود السياسية او الحكومية المتوجهة الى بغداد ان كانت من قبل حضرة الرئيس او أي رئيس اخر او نائبه او اي وزير كان فقدت وزنها وتأثيرها وباتت هامشية لا وزن لها ولا حساب.

لذلك بات من الضروري يا حضرة الرئيس برزاني، ومن باب التعقل والمنطق ان يتم اجراء مراجعة شاملة واعادة نظر بكل القضايا الكردستانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبمسألة العلاقات مع بغداد ودول الجوار، بغية اعادة التوازن الى المنظورات الوطنية الاساسية لحماية مصالح كرد العراق وابداء االجهد الفعال لانقاذ الاقليم من الانهيار، والقضاء على السيطرة المافوية للحزبين الحاكمين الفاسدين وللعائلتين البرزانية والطالبانية والعوائل الاخرى.

لهذا ومن باب الوطنية الكردية، ومن باب بذل المساعي الوطنية المخلصة لوقف الانهيار الجاري للوضع العام الى الهاوية، فان الضرورات تلزم على شخصكم الكريم اطلاق مبادرة انقاذ الكرد من الانحدار الحاصل في جميع القدرات السياسية والاقتصادية والمالية للاقليم، وعلى ان تشمل المبادرة ما يلي:

(1): اعفاء حكومة الاقليم برئاسة مسرور برزاني وقوباد طالباني، وتكليف شخصية مستقلة بتشكيل حكومة جديدة فقط من التكنوقراط.

(2): انشاء صندوق مالي وطني باسم "صندوق انقاذ الاقليم" براسمال لا يقل عن عشرين مليار دولار من مساهمات اجبارية والزامية منكم ومن ورثة طالباني ومن الحزبين الحاكمين ومن الاحزاب ومن كافة الشركات والاثرياء والاغنياء، وذلك في غضون شهرين، وذلك لحل الضائقة والازمة المالية.

(3): اجراء انتخابات مبكرة بعد مرور سنة على تشكيل الحكومة الجديدة، وعلى ان لا تشترك فيها حزبكم ولا حزب الطالباني لدورة انتخابية واحدة وذلك لاجراء اصلاح كامل وشامل في الحزبين.

(4): استغلال المفاوضات بين بغداد واربيل لبناء وانشاء ارتباطات وطنية دستورية عراقية تخدم المصالح المشتركة للطرفين، وذلك بخطوات حكيمة وعقلانية بعيدة عن فساد الحزبين الحاكمين والفاسد القائم للحكومة الاتحادية، لقيادة الاقليم نحو شاطيء الامان وضمان اقتصاد فعال منتج للموارد المالية وبقدرات ذاتية وطنية.

(5): القضاء على حكم العوائل المتنفذة الحاكمة بالاقليم والمتسم التمييز والطبقية والاحتكار والاستغلال والاستبداد والطغيان، وخاصة للعائلتين البرزانية والطالبانية، والعمل الجاد على ازالة الفوارق الطبقية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة داخل جميع مكونات المجتمع.
هذا باختصار اهم مقترحات مبادرة الانقاذ التي تلزم ضرورات تاريخية ومصيرية لتبنيها واطلاقها من قبلكم يا حضرة الرئيس لوقف الانهيار الحاصل للاقليم، وهذا بعض قول الحق وما "اكثرهم للحق كارهون"، والله من وراء القصد.

(*) كاتب صحفي