لا يخفى على احد اثناء متابعتهِ للأحداث فيما يخص مُحاربة القِوى العظمى للإرهاب لم تكن تلك الحروب الهدف منها احلال السلام بِقدر ما كانت تهدف لإبعاد الارهابيين من مناطق نفوذهم ومصالحهم، وربما التمعن بتجربة القاعدة في افغانستان وباكستان وتحولهما الى العراق وسوريا وفيما بعد داعش وبعض التنظيمات الارهابية الاخرى كان خير دليل على ما تم ذكرهُ، وهذا يدفع بالإنسان العاقل التوجه لحماية نفسهِ قدر الامكان من خلال الوعي والأدراك ان القوى التي تبسط سيطرتها على اي بقعة على هذه الارض غايتها بالدرجة الاولى تقوية نفوذها واقتصادها، ليس هناك قوة واحدة على الارض تتكبد دفع المليارات وعناء الارهاق والصراع السياسي في العالم بهدف حماية الانسان.

استغلت بعض الانظمة في الشرق الاوسط ثغرات هذه السياسة ، وفتحت ذراعيها للإرهابين والمتطرفين وجندتهم وفق مصالحها في المنطقة لضرب القوميات والاقليات والاديان والمذاهب ، ونجحت في تفتيت المجتمعات الواحدة تلوى الاخرى حتى اصبح لهم نفوذ واسع في سوريا والعراق ولبنان ودول اخرى، كان العامل الاساسي لنجاح مخططاتهم هو غياب الدعم الدولي في انشاء مؤسسات حقيقية وفعلية لدعم الانسان على الارض.

ربما لو تَمعنا في تجربة شمال شرق سوريا لوجدنا انها شاشة توضح خفايا بعض الامور ، سبعة اعوام امريكا والتحالف الدولي متواجدين بقواعدهم العسكرية وحَسب القواعد الاساسية للحماية لا بد ان تكون برفقتها مراكز استخباراتية وسياسية واقتصادية ودراسات ليكون وجودها متكاملاً، ومع ذلك ما زال المواطن العادي يفتقد الامان والعيش الهانئ ويعاني بشكل متكرر من فقدان ابسط حقوقهِ، وان قمنا بالسؤال من احد قادة هذه القواعد ما سبب ان يكون الانسان الذي تتواجدون بجانبه محروماً من حقوقهِ لكان جوابه متوقعاً: نحن هنا لنحارب الارهاب وندعم قوات سوريا الديمقراطية ولديهم ادارة ذاتية خدمية، وان طلبنا تفسيراً لمعنى الارهاب سيكون محصوراً فقط بداعش، متناسين تلك القوى وشركائها ان الفقر والجهل والتَعصب الفكري والحزبي والتطرف والعبودية جميعها تقع في منبع الارهاب ولا بد من محاربتها ليعم الامن والسلام.

من يَتحمل كل هذا الفساد بالدرجة الاولى هو المجتمع الدولي العاجز عن التدخل بتصميم وارادة لتنقية المستنقع السوري بشكل عام وايقاف نزيف الدِماء، وفيما يخص شمال شرق سوريا تتحمل الادارة الذاتية او مجلسها السياسي الذي انشائها تبِعات الاوضاع الراهنة وما آلت إليها الامور، ما زال القائمين عليها ذات الفكر وذات السياسة القائمة على مصطلح الأنا، من الصعب التعامل مع ايدولوجية لا تطور نفسها من الداخل، ان لم تَقم بذلك فكيف ستسمح اساسا للتطور من الخارج ، الامور تتوقف عند زاوية ضيقه وهي ذات الزاوية المدونة على بابها أما انا او الطوفان من بعدي.

مرحلة الحسم ما زالت مستمرة ويضيق رقعة اتساعها وتحديد حجم الاطراف المتصارعة، وخَيار الوراثة الفكرية او التوقف ومراجعة الذات للعمل على بناء المجتمع وفق اسس ومعايير انسانية ووفق طبيعة شعوبها والمنطقة التي ترعرعت عليها ما زال ممُكن، الاختيار من حق الانسان والحرية تبدا من العقل والروح وفق المنطق والحكمة ، فتاريخ العبودية انتهى دون رجعة وان عادت فستكون لِمن اعادها ويصبح عبد نفسهِ لا اكثر، فالحياة تسير دون توقف ولن تبقى الشعوب في مكانها او تعود للخلف لتقول سمعاً وطاعة يا سيدي.
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية.