هجرة العقول أو (الأدمغة) هو مصطلح يطلق على هجرة العلماء والمتخصصين في مختلف فروع العلم من بلد الى آخر طلبا لرواتب اعلى او إلتماسا لأحوال معيشية او فكرية افضل. وعادة ما تكون هجرة الأدمغة من البلدان النامية الى البلدان المتقدمة. وقد قامت الجمعية الملكية البريطانية بابتداع مصطلح هجرة الأدمغة لوصف هجرة العلماء من المملكة المتحدة الى الولايات المتحدة وكندا في خمسينيات وستينيات القرن العشرين الميلادي. (ويكيبيديا – الموسوعة الحرة).

بدأت ظاهرة هجرة العقول العربية بشكل محدد منذ القرن التاسع عشر، وخاصة من سوريا ولبنان وفلسطين ومصر والجزائر، وفي بداية القرن العشرين ازدادت هذه الهجرة وخصوصا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وتعد المنطقة العربية أكثر منطقة يضطر علماؤها وكفاءاتها إلى الهجرة وهم من المهندسين والأطباء وعلماء الذرة والفضاء، حيث أن أكبر نسبة مهاجرين للعقول في العالم من سكان المنطقة العربية. وهنا لا نعني بهجرة العقول والمثقفين من العالم العربي فقط حملة الشهادات الجامعية العليا من الدكتوراه والماجستير، بل جميع الكفاءات والخبرات في مختلف الميادين الإنسانية والعلمية في الطب والهندسة والاقتصاد والإعلام والفنون.

أظهرت عدة دراسات قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة اليونيسكو والبنك الدولي، أن العالم العربي يساهم في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية، وأن 50% من الأطباء، و23% من المهندسين، و15% من العلماء في المجالات الأخرى من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة من الجامعات يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، ما يفرز تبعات سلبية على مستقبل التنمية العربية. وتتجلى الخطورة في أن عددا من هؤلاء يعملون في أهم التخصّـصات الإستراتيجية، مثل الطب النووي، والجراحات الدقيقة، والهندسة الإلكترونية والميكرو إلكترونية، والعلاج بالإشعاع، والهندسة النووية، وعلوم الليزر، وتكنولوجيا الأنسجة، والفيزياء النووية، وعلوم الفضاء والميكروبيولوجيا، والهندسة الوراثية. كما ذكرت الدراسات أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، ويشكل الأطباء العرب في بريطانيا وحدها حوالي 34% من مجموع الأطباء فيها.

ومن الخسائر التي مُـنيت بها الدول العربية، أن هجرة العقول إلى الخارج تسبّـبت ولا تزال في تخلّـف حقول المعرفة في العالم العربي وإضعاف الفـكر العلمي والعقلاني، وعجـزه عن مجاراة الإنتاج العلمي العالمي في أي ميدان من الميادين، لكن الخسارة الكبرى تتبدى في الأثر السلبي الذي تتركه هذه الهجرة على مستوى التقدم والتطور المطلوب في المجتمعات العربية في الميادين العـلمية والاقتصادية والفكرية والتربوية والاجتماعية، وهو أثر يؤثر سلبا على مشاريع التنمية والإصلاحات، مما يزيد التخلـف السائد أصلا في هذه المجتمعات، وذلك بعدما بات مـقياس التقدم متـصلا اتصالا وثيقا بمدى تقدم المعرفة وإنتاجها.

هناك عوامل كثيرة طاردة للعقول العربية، ولا ينبغي التركيز فقط على الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، فالعوامل السياسية تعد في نظر الدارسين والمحللين أساسية وفاعلة في هذه الظاهرة، ذلك أن هناك منظومات فاسدة كثيرة في العالم العربي قد اتخذت إجراءات قمعية ضد العلماء والمفكرين والأكاديميين والمثقفين من اجل طردهم تحت مظلة الهجرة الطوعية. ويشكِّـل الواقع السياسي عـنصرا مهِـما من عناصر هجرة الأدمغة إلى الخارج، حيث تعاني غالبية البلدان العربية من اضطرابات سياسية وحروب أهلية تَـطال أهْـل العِـلم والمعرفة، ويتسبـب عدم الاستقرار السياسي في نزيف أهل العـلم والفـكر المُـحتاج إلى استقرار يمكـنه من الإنتاج. وقد نجمت عن حالة الاضطراب هذه خلال العقود الأخيرة موجات هائلة من نزوح الأدمغة، خاصة في بلدان مثل مصر والعراق وسوريا والجزائر ولبنان، وهو نزيف يتـجه إلى التصاعد بالنظر إلى تواصل هذه الاضطرابات السياسية والحروب الأهلية.

هذا النزوح المستمر للعلماء والخبرات من المنطقة العربية سوف يوسع الهوة الحضارية والعلمية بين العرب والدول المتحضرة في العالم أكثر فأكثر، ويؤدي إلى تراجع مستويات التنمية في المنطقة العربية. كما ان استمرار استيراد الخبرات الأجنبية إلى البلدان العربية لسد النقص الحاصل له كلفته المالية العالية التي بلا شك تؤثر على ميزانيات هذه البلدان وعلى احتياطاتها من العملات الصعبة. كما أن هجرة العقول سوف تتسبب كذلك في انخفاض مستويات التعليم الجامعي نتيجة النقص في الكوادر الأكاديمية والبحثية المؤهلة، وتؤثر في قدرة العرب على الربط بين المستويات التعليمية والحالة الثقافية من جهة، وبين متطلبات خطط التنمية من جهة أخرى.

الدراسات تشير إلى أن حوالي 60% ممّـن درسوا في الولايات المتحدة خلال الثلاثين عاما الأخيرة لم يعودوا لبلدانهم، وأن 50% ممّـن درسوا في بريطانيا وفرنسا، لم يعودا أيضا لبلدانهم. بلغت الخسائر التي مُـنيت بها البلدان العربية من جرّاء هجرة العقول العربية في عقد السبعينيات حوالي 11 مليار دولار، فيما يقدّر الخبراء إجمالي الخسائر نتيجة هذه الظاهرة في الوقت الحاضر بأكثر من 200 مليار دولار.
أخطر ما يستنزف البلدان النامية والذي من ضمنه العالم العربي هو هجرة العقول والكفاءات العلمية، ذلك أن هذه الآفة من شأنها أن تزيد من الهوة بين الشمال الغني والجنوب الفقير، وتصبح البلدان المصدرة للكفاءات تدور في فلك دائرة مغلقة فتستقطع من ثرواتها البشرية لتمنحها للبلدان المستقطبة لهذه الكفاءات.