لا شك أن تسليط الضوء على الحمار في رحلة الرحالة المصري بهاء العمدة، كأول رحلة من نوعها في مصر، من شأنه إعادة الثقة إلى دور الحمار الأصلي، بعد أن فقدها في السنوات الأخيرة رغما عنه، عندما تحول إلى أطباق من "الكفته وأرغفة الحواوشي "راحت في بطون الناس بسبب أصحاب الضمير المنعدم.
الحمار هو قصة صبر وأناة وتحمل لظلم الإنسان والحيوان على حد سواء، فدوره في الحياة لايزيد علي إسعاد جنس البشر في مساعدتهم في أعمالهم ومعاناتهم اليومية في الأماكن الوعرة، أو تحوله إلى طعام شهى لإطعام الحيوانات المفترسة .
فكرة الرحالة المصري هي فكرة جديدة ومبتكره على الأقل في مصر، وهي لاتختلف كثيرا عن الارتحال سيرا بالأقدام أو الدراجةـ فالبطء في حركة السفر يتيح فرصة مشاهدة كبيرة تساهم في تحقيق فكرالرحلة، خاصة إذا ما أراد الرحالة تدوينها في فصول كتاب.
لكن ربما ما لم يتوقعه الرحالة المصري هو الآهتمام بالحمار نفسه على حساب الرحلة، وما أثارته جمعيات حقوق الحيوان من شكوك حول شبهة استغلال الحمار في عمل شاق !، خاصة وأن الرحلة تصل في مداها إلى 1000 كيلو متر امتدادا من محافظة الجيزة إلى محافظة أسوان، غير أن الرحالة المصري فند تلك المزاعم وقال : إنه لا يسير أكثر من 25 كيلو متر في اليوم الواحد حتى لا يرهق الحمار.
في اليونان وألبانيا وتركيا والجزر الإيطالية يستخدمون الحمار في برامج سياحية مكثفة تجذب آلاف السياح ، يجوبون فيها المناطق الجبلية الوعرة علي ظهور الحمير، وهي سياحة رائجة هناك. وقد رأيت بنفسي في جزيرة سانتوريني اليونانية كيف ينقلون أمتعتهم على ظهور الحمير في الحارات الضيقة التي لا تسمح بمرو سيارة.
في أفغانستان استخدمت الحمير في الحروب، وكانت الوسيلة الوحيدة المستخدمة لنقل الأسلحة في الدروب الصعبة، واستخدمها المقاتلون في فتح طرق لهم وسط حقول الألغام، بل تم تفخيخيها في بعض الأحيان وإرسالها إلى معسكرات الأعداء.إنها صورة شديدة القسوة في في كيفية تعامل الإنسان مع الحمار!
أكثر الحمير رفاهية هي التي شاهدتها في بعض المزارع في ألمانيا، فهي لاتعمل، وتم جلبها فقط للمتعة الشخصية، والإعجاب بصبرها وقوة تحملها خاصة وأنها حيوانات اجتماعية هادئة، ستجد في المزرعة حمارا أو اثنين، وهي ترعى بجوار الأبقار والأغنام في هدوء وسكينة.
في الأدب المصري والعالمي دخل الحمار عالم الروايات الشهيرة ، فها هي رواية توفيق الحكيم "حمار الحكيم" التي كان بطلها حمار اشتراه الحكيم وقام فيها بتسليط الضوء على القرية المصرية، ومدي ما تعانيه من فقر وعدم اهتمام بأمور الصحة والنظافة، وقارن بينها وبين الريف الفرنسي آنذاك.
أما في فرنسا نفسها في سنة 1878 فقد اشتهر الحمار علي يد الرحالة الفرنسي "روبرت لويس ستيفنسون" الذي كتب فصول رحلته بالحمار في كتاب شهير أسمه " رحلات على ظهر الحمار في السافان " وصف فيها الريف الفرنسي وتحدث عن الأديرة والقلاع الفرنسية الشهيرة وربطها بالتاريخ الفرنسي القديم، وقد عبر بصدق عن ذلك عندما كتب : "أن تلك الأيام التي قضاها مع حماره في رحلته وحيداً متعرجا في دروب جغرافية فرنسا وتاريخها، كانت هي مدرسته الحقيقية التي علمته الكثير".
في الحياة الفنية المصرية دخل الحمار أيضا كأسم لجمعية أسسها ذكي طليمات رائد المسرح المصري الحديث باسم "جمعية الحمير" ، وكانت احتجاجا على قرار الملك فاروق وقتها بإغلاق معهد الفنون المسرحية الذي أسسه ذكي طليمات سنة 1930 بحجة أن ذلك سيمسح للمصرين بإخراج مسرحيات تهاجم الفساد والحياة السياسية المصرية، لهذا انضم الكثير من المثقفين المصريين وقتها للجمعية تعبيرا عن الصبر والجلد في مقاومة قرار الملك .. واستمر احتجاج جمعية الحمير حتي نجحوا في إعادة افتتاح المعهد مرة أخرى.
الرحلات الاستكشافية الجميلة علي يد الرحالة لا تموت عادة بانتهاء الرحلة، بل تصبح إضافة قوية إلى سجل عالم الرحلات ، لهذا كان يجب الاهتمام بالرحالة المصري وفكرته، وعدم وضع العراقيل أمامه كما حدث بعد أن تم القبض عليه لعدة ساعات ، أفرج عنه بعدها ..لا لشئ ..إلا لغرابة فكرته، فالرحالة يريد تسجيل كيف عاش أجداده في القري قديما وكيف كانوا يتنقلون قبل عصر المواصلات وتطويرها ، لكن الجهات الأمنية نظرت بشك كالعادة الي فكرته.
بعد الأدب والسياحة دخلت الحمير إلى عالم السياسة من أوسع أبوابه، فقد تأسس في سنة 2005 في كردستان العراق، أول حزب سياسي أسمه "حزب الحمير " استلهم من الحمارصبره ، وجلده، وسلمه، وشيدوا له تمثالا ضخما من البرونز لحمار يرتدي قميص ورابطة عنق كشعار ورمز للحزب، ووقتها قال رئيس الحزب أنه يأمل أن يشجع ذلك الناس في تحسين معاملتهم للحيوانات خاصة الحمير انطلاقا من الدور الذي لعبته في حركة التحرير الكردية المسلحة، فقد كان الحمار هوالصديق الوحيد للمقاتلين الأكراد في جبال كردستان خلال الصراع من أجل الحقوق الكردية. وبحلول سنة 2014
تم حل الحزب، لكنه ترك علامة ساخرة في الحياة السياسية الكردية، جعلت رئيس الحزب يناشد الناس بعد قرار الحل بعدم اعتبار الحمار رمز للغباء لأنه يساند الإنسان دائما دون كلل أو ملل.
من يعرف.. ربما يعود الحمار ليتبوأ مكانة مرموقة في عالم اليوم ، فعالم الحمير أفضل من عالم البشر، فهي لاتتصارع من أجل المناصب ، ولا تقتل بعضها في قسوة الإنسان، ولا تمارس العنصرية ضد بعضها ، ولا تسجن وتظلم بني جلدتها كما يفعل الإنسان.
التعليقات