تعبنا ولم يكلوا... اختنقنا ولم يملوا... متنا ولم يشبعوا! ماذا بعد؟ إلى أي مدى يتوقعون أن يصبر الشعب على تبعات ما اقترفت وتقترف أيديهم من فضائع بحق هذا البلد الصغير الذي ينوء تحت سلطة تعنتهم؟

في القرن الواحد والعشرين، خلاف في إحدى السوبرماركت على عبوة حليب... إلى هذا الحد وصل بنا الحال في لبنان... الشعب الذي تفوق فكرياً في الخارج يعيش في بلده هاجس تأمين أبسط احتياجاته، قوته اليومي.. ويقاتل عليه خوفاً من ألا يجد غيره... بجشع المسؤولين وقلة ضميرهم وأخلاقهم حولوا الشعب إلى آلة أشبه بحيوانات الغابة تقاتل بغريزة البقاء؟ إلى هذا الحد من الذل أوصلونا!

ذل في كل شيء، وكأن الذل بات قوت اللبناني اليومي أينما ذهب، إلى المصرف، الصيدلية، السوبرماركت وحتى المستشفى.

هذا فيض من غيض المعاناة... الدولار يحلّق ومعه الدواء والمواد الغذائية (التي بات الكثير منها ينقطع في الأسواق). والحال عينه مع المحروقات والحاجيات الأساسية اليومية، حتى ربطة الخبر يسابق سعرها الريح. كل شيء يغلى ثمنه إلا قيمة اللبناني، فهو بالنسبة للساسة مجرد صوت في الانتخابات النيابية، فقط لا غير! صوت يشتروه وقت جوع السلطة والحكم ويرموه وقت شبعها!

كيف سيعيش المواطن في بلد أصبح الحد الأدنى للأجور فيه 67 دولاراً؟ كيف سيعيش والمصارف تحتجز أمواله وينام ويصحى على أخبار بأن شقاء عمره قد يكون كبش فداء سرقات على حسابه؟ والمصرف المركزي يطبع عملات بلا حساب... فوق مطرقة الأزمات، سندان التضخم!

كل ذلك، وسلطة لا تخجل، سلطة ابتلعت مليارات الدولارات من صفقات مشبوهة على حساب بلد منهك، ولا تزال تقاتل حتى آخر رمق لتحافظ على امتيازاتها... سلطة تحمي مجرمين فجروا بيروت وقتلوا مئتي انسان فيها، ما عدا الجرحى والدمار... سلطة فاسدة تحاجج بالفساد، وتخرج على الإعلام تتمسكن بالكذب والنفاق وادعاء الطوباوية مرة وبالخطاب الطائفي والذكوري مرة أخرى... هل هناك أوقح؟

لا لم يمّر على لبنان سلطة أكثر جشعاً ووقاحة من هذه السلطة الحاكمة... على مدى السنوات الثلاثين الماضية، لم تكن السلطات نزيهة، وانبعثت منها روائح الفساد والصفقات يميناً ويساراً، ولكن لم يشهد لبنان ظروفاً أكثر قساوة وهذه السلطة تبدّع في إبهارنا بأنانيتها ونرجسيتها، الوطن مذبوح وهي تستشرس لشرب آخر قطرة من دمه...

لماذا لم تتشكل الحكومة بعد خمسة أشهر على التكليف؟ لماذا تتفاقم أزماتنا؟ لماذا رخصت حياتنا وأرواحنا إلى هذا الحد؟ لما أهينت وتهان كرامتنا كل يوم... ببساطة لأن مصلحة بعض الساسة الشخصية وحصة الأسد أهم بكثير من وطن لا قيمة له..

الوطن رايح وهم باقون... والأتباع يصفّقون وأخصامهم في السياسة يشتمون!