ثمة تعريفات كثيره للقيادة أكتفي بواحدة منها، وهي قدرة وفاعلية القائد السياسي بمشاركة النخب السياسية والمجتمعية في تحديد أهداف المجتمع وترتيب أولوياتها وآليات تحقيقها، والقدرة على اتخاذ القرار السياسي الرشيد من بين العديد من البدائل، بما توفرت لديه من رؤية وبصيره وإلمام بكل متغيرات القرارات. أما الدور فهو ممارسات سلوكية وسياسات في بيئة سياسية داخلية وخارجية تتسم بسرعة متغيراتها، ولذلك أهم صفات القيادة هي القدرة على مواكبة هذه التغيرات وتجاوزها برؤية مستقبلية.

القيادة تحكمها سمات وصفات تتعلق بالمنصب والشخصية، منها الشجاعة والذكاء والمبادرة والانتماء الوطنى وتجسيد مرجعيات وتراث الدولة. والقيادة من تصنع القرار وترسم الرؤية السياسية المنظمة والمحددة لمكانة الدولة ودورها، وهذه الرؤية ليست مجرد أحلام يقظة أو أحلام نوم تأتي كسراب وتختفي، بل هي واقع مدروس لقوة الدولة ومحددات بيئتها وماذا تريد وكيف ترى نفسها؟

رؤية وتوجهات القياده ليست بالأمر السهل البسيط، فلها وجهان: إيجابى تنمو وتكبر معه الدولة، وسلبى تتراجع معه، والأمثلة كثيره عربيًا ودوليًا.

أنتقل من هذه المقدمة الموجزة لقراءة كيف ترى القيادة السعودية دورها ودور السعودية. المقصود برؤية وتوجهات القياده السياسة هو رؤية الملك سلمان بن عبد العزيز وولى عهده الأميلا محمد بن سلمان، والتي تمت ترجمتها برؤية السعودية الإستراتيجية لعقود قادمة. وهذه الرؤية تراكمية تراتبية متصلة برؤية المؤسس الملك عبد العزيز بن سعود، مرورًا بكل ملوك المملكة، وصولًا إلى القيادة السياسية الحالية التي تجسده حكمة ومرجعية الملك سلمان وحيوية قيادة الأمير محمد بن سلمان ولى العهد.. وهى رؤية ليست فوقية مفروضه، بل هي نتاج عملية تفاعلية مجتمعية تشارك فيها كل القوى السياسية ومؤسسات الدولة، وتحكمها مرجعية دينية وتراثية وما يتوقعه المواطن العادي من هذه القياده.. وأسميها بالعقيدة السلمانية.

اليوم، تمر السعودية بمرحلة سياسية تذكرنا بمرحلة التأسيس الأولى وما واجهتها من تحديات داخلية وخارجية، نجحت رؤية المؤسس في التغلب عليها؛ ومرحلة البناء والإنجاز بكل تحدياتها الكبيرة وتم التغلب عليها أيضًا، بدليل بنية ومؤسسات الدولة وأهمها بناء الإنسان والمواطن السعودي والاستثمار فيه بتوفير بنى التعليم والصحة ومؤسسات الرفاه، لنصبح امام أنموذج دولة المؤسسات.

اليوم، إنها مرحلة النهوض الشاملة التى تطلب مراجعة نقدية شاملة لكل مكونات الدولة من دون التخلى عن أساسياتها. وهذه المرحلة من أخطر المراحل ولا تحتمل إلا النجاح، لأن الخسارة تعني خسارة دور دولة كاملة. المطلوب تثبيت واستعادة دور السعودية ومكانتها، والتحول من دور الدولة المؤثرة في القرار النفطي وحده إلى دور الدولة صانعة القرار على المستويين الإقليمى والدولى.

ملامح هذا الدور كثيرة: القمم التي تستضيفها السعودية، خليجية وعربية وقمة العشرين وعضويتها بها والاستعداد للتحضير لقمة عربية صينية قادمة، ورئاستها أكثر من وكالة دولية ومشاركتها فيها، وتأثيرها في القرار المالي العالمي الذي يحدد إستقرار النظام الاقتصادى العالمي، وتحولها مركزًا للعديد من الشركات العالمية وحجم الاستثمارات السعودية عالميًا وعربيًا، ودورها وقرارها الحاسم في أكثر من قضية.

فاليوم، لا يمكن تجاهل القرار السعودى في أكثر من قضية؛ كقضية الملف النووي الإيرانى. وربما يتساءل البعض عن أبعاد هذا الدور، لكن هذا البعض يتجاهل أن لا خيار أمام القيادة السعودية إلا تبني خيار تفعيل الدور السعودي، واستعادة مكانة المملكة الذى تفرضه حقائق القوة الداخلية والإقليمية والدولية. فالبديل من هذا الخيار هو خيار التبعية والإنكفاء ذاتيا، وتحويل السعودية إلى دولة تنتظر من يحميها ويملأ فراغ القوة بتواجد القواعد الأجنبية، وهذه خيارات تمس هويتها الوطنية والدينية ودورها. هنا تكمن التحديات والمعيقات التي تواجه هذا الدور من الدول الإقليمية الصاعدة، خصوصًا إيران التي تدرك أن إستعادة السعودية دورها ومكانتها يعني تقلص الدور الإيراني في المنطقة، وتركيا الساعية إلى أداء دور الخلافة تدرك بقوة أن السعودية هي المؤهلة دينيًا لأداء هذا الدور.

من أبرز مظاهر هذا الدور وهذه المكانة الخارطة الإستراتيجية الواسعة للمملكة العربية السعودية وتنويع علاقاتها الإستراتيجية مع الدول الفاعلة والمتحكمة دوليًا وإقليميًا، كالصين وروسيا والهند، وهذا ما يعنى من منظور منهاج القرار ونظرية الدور وإستقلالية القرار وتوسيع خارطة الدور.

تدرك القيادة السياسية السعودية أن أهم متطلبات هذا الدور بناء القوة الاقتصادية الداخلية وتنويع مصادر الدخل وبناء الدول الصناعية والإعلامية والتوسيع في درجات التمكين السياسى للمواطن والمرأة السعودية. فهذا الدور بحاجة لقوة اقتصادية وقوة بشرية توفران الضمان الحقيقي والمستدام لهذه الدور.

يبقى أن وراء هذا الدور تقف شجاعة وحكمة وذكاء وحكمة قيادة، في مرحلة أبلغ وصف لها "مرحلة السلمانية" و"مرحلة القطب السعودي" الإقليمي والدولي.