‏في كل يوم ومع كل إشراقة شمس وغروبها ومع كل نَفسٍ أشعر بعطاء وروح أمي هي الأوكسيجين لحياتنا بحكمتها وعطائها ومبادراتها وبذلها وتعفّفها عن الإساءات وعدم السماح لكائن من كان برد الإساءة إلا بالإحسان.

‏أمّك ثم أمّك ثم أمك لم يقلها ﷺ عبثًا

فالأم لي ولكل شخص هي الملاذ والحضن الدافيء والكتف الذي تتكئ عليه من ملمّات الزمن ...
‬لذا أتلعثم ويصيبني العيُّ والإعياء وأغصُّ بحرفي حينما أحاول أن أتكلم عن أمّي عن جبل المكارم والأخلاق والكرم والنّبل والمروءة والصّبر والوفاء وحسن التربية والسيرة العطِرة وعفّة اللسان وكفّ الأذى والتحمّل والتغاضي والعفو عن أذى الآخرين القريب والبعيد الطود الشامخ
‏( شيخة )
‏أو
‏أم خالد

بول هنري أحد أبرز علماء بلجيكا
‏حضرت والدته جلسةً مفتوحةً لمجلس الشيوخ ذات يوم .....
‏فبدأ خطابه هكذا:
‏أمي .. سيداتي سادتي ..!!

دومًا الكتابة عن الأم معراجٌ إلى السماء، انتقالٌ من الحالة الصلبة إلى الحالة الملائكية حيث تسبح الأراوح في ملكوت الله.
‏حين تناديني أمي "يا وليدي" أشعر أن ملاكًا يطوف بي في كل الكون.
‏يعود بي الزمن حيث ذاك الصغير والذي لا يكبر أبدًا على صوت أمه .. كلما قالت خالد أو (خويلد) في عتبها

كم أبكي شوقًا لتلك الأيام..
‏حينها يتجلى الحب في أعظم معانيه... وأصدق صوره.
‏حبٌّ غير مشروط بنفعٍ أو انتظار مصلحة...
‏حبٌّ خالدٌ يزيد ولا ينقص
‏يعطي ولا يأخذ
‏حبٌّ يبني ويشيد
‏حبٌّ يتجلّى بأيقونةٍ حابسةٍ للكلام، مانعة للتفكير
‏حبٌّ بلا سبب ولا انتظار نفع
‏لا يمكن إلا أن يكون حب الأم

وانظر الى القرآن كيف صوّر قلبها
‏في وصفٍ وكأنك تنظر إلى تلك المرأة وهي خائفة وجِلة
‏قلبها قد فرغ من كل شيء إلا حب ابنها والخوف عليه ...
‏ {وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين}

قلب أم موسى... هو قلب كل أم
‏تحنو، وتعطي، وتخاف، وتجفل
‏بلا اعتراف للحدود ولا تغير مع تقلبات الزمان بأهله

‏أمي ... يا حصني الوحيد في الحياة
‏يا بوابتي للسماء
‏إنكِ يا ملاكي صلة السماء بالأرض
‏وقلبكِ هو جنتي في الدنيا قبل الأخرة
‏يا حبل الله المتين


أعرف كيف أن الرجال الكهول وأنا أوّلهم يعودون أطفالًا في أحضان أمهاتهم إنها لحظاتٌ خالدةٌ، لا تقاس بعمر الأرض ولا بمقاييس البشر.

وأعرف أيضًا كيف تبرعُ أمّي بخياطة جروحي بتلك الإبتسامة الساحرة أو بأحد التعليقات المفاجئة التي تجعلنا نغرق سويّاً في الضحك.

‏تنهمر هي في الضحك فتبدأ بخياطة الجروح،حتى في كِبرنا بالسّن.

لو بلغ أحدنا المائة عام، إلا أننا نبقى أطفالًا بحضرة أمهاتنا، ولكن نشيخ فجأةً حين نفتقدهن.

يُخذلُ قلبي، فترممه أمي بابتسامة...
‏تمزقني الحياة، فتعيد أمي حياكتي...
‏تحاصرني الأيام بالخيبات، فتملؤني أمي بالدعوات.

بالنسبة لي النهر الذي اغتسل فيه من الخطايا كفوف أمي ودعواتها حين تقول مودعةً ابنها حين يخرج (استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعه)

قبل فترة ليست بالقصيرة كنت اقرأ في رواية (النسيان) للروائي الكولومبي اكتور اباد فاسيولينسي ووردت هذه العبارة ومنذ أن قرأتها وهي لم تفارق ذهني .. إذ قال:

‏"لم تتجاوز أختي السادسة عشر قط حين ماتت، إلا أن أمي قالت ونحن نتناول الحساء بصمت؛

اليوم تتم (ماتا) عامها الخمسين"