عرف الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانت" التنوير "بأنه التخلص من حالة التبعية التي يسقط فيها الإنسان نفسه بنفسه، وقال إن التبعية تنشأ حين يعطل المرء عقله ويعتمد على تعليمات وتفسيرات الآخرين فيتركهم يتحكمون في قدره". ولكن لدينا في العالم الإسلامي نظرة خاطئة عن حركات التنوير فنعتقد أنها تنكر الدين وتنادي بالإلحاد لأنها قلصت من سلطة الكنيسة في أوروبا.

في الحقيقة، فقد كانت هناك أكثر من حركة تنوير في أوروبا، وبعضها قام بثورات ضد الكنيسة مثل حركة التنوير الفرنسية، والبعض الآخر نشأ من داخل الكنيسة ذاتها مثل حركة التنوير الإسكندنافية. فقد كان قائد هذه الحركة رجل دين دنماركي يدعى "نيكولاي جروند فيج" وقد حاول ان يستنبط التنوير من تعاليم المسيحية نفسها، وقال إن دور الدين هو ان يساعد الانسان على التصالح مع إنسانيته وأن يطور من نفسه لا أن يصير عبدا للطقوس والتعاليم الدينية. كان "جروند فيج" يقول للمصلين في الكنيسة التي كان يعظ فيها: "كن بشرا أولا ثم مسيحيا. كن مواطنا لهذا العالم". أسس "جروند فيج" نقابات للعمال والفلاحين وأسس أول حزب سياسي كان هو الأساس في التجربة الديمقراطية الدنماركية التي تتعلم منها أوروبا حتى اليوم.

إذن فنحن لسنا بحاجة لمن يشككون في العقائد ويهاجمون الدين، ولكن بحاجة الى مصلحين من داخل المساجد والمؤسسات الدينية ومن خارجها، مصلحين ليسوا عبادا للحروف والنصوص. نحتاج أئمة ممن درسوا العلوم والفلسفة كي يساعدوا الشباب على إعمال العقل ونقد أوضاعهم، وكل من يتحكم فيهم حتى لو كان رجل دين. نحتاج نساء يتفقهن في الدين ويشرحنه لأبنائهن من وجهة نظر غير ذكورية. نحتاج ان نحترم كل إنسان سواء كان مؤمنا أو غير مؤمن، سواء كان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو بهائيا، سنيا أو شيعيا أو علويا. نحتاج أن نعلي صوت العقل ونخرس صوت الخرافات. ولكن الإصلاح يتطلب أن لا يبقى حبيسا للخطاب الديني فقط، بل يجب ان يتوغل إلى قضايا المجتمع الأخرى التي لا علاقة بها بالدين.

أقيموا الديمقراطية في عقولكم وقلوبكم ، تكن واقعا على أرضكم. هذه هي الديمقراطية الحقيقية التي لا يستطيع أحد أن يتحايل عليها أو يدمرها حتى ولو بإنقلاب عسكري. أما الديمقراطية التي تفرض من أعلى فمن السهل إلغاؤها أو تعطيلها، فإن من يملك القوة لأن يمنحنا الديمقراطية يمتلك القوة نفسها ليحرمنا منها متى يشاء. التنوير هول الحل، التنوير هو أولى خطوات التغيير. كل ما يحتاجه الشباب هو أن يفتحوا عقولهم وبصائرهم لمبادئ التنوير، ويفهموا ان الحرية ليست هدية يمنحهم إياها قائد أو زعيم، بل هي حق يغتصب بالمعرفة والوعي وليس فقط بالمظاهرات والاعتصامات والصراخ. التنوير هو الضمان الوحيد أن تتم تعبئة الشعب لتغيير حقيقي مسالم لا ينتهي بنا إلى فوضى وحروب أهلية.

المدرسون والصحفيون وأئمة المساجد هم أدوات هذه التعبئة، فلو تخلى المدرسون عن أسلوب التلقين السلطوي وغرسوا في عقول طلابهم القدرة على التفكير الحر ونقد ذواتهم وحتى نقد المعلم نفسه، ولو تخلى الصحفيون عن أساليب الفرقعة ومداعبة العواطف في التعامل مع تقاريرهم ومقالاتهم وعرفوا المواطنين حقوقهم وكيفية الحصول عليها، ولو تخلى الأئمة عن وعظهم بالقصص والأحاديث وتركيزهم على المحرمات، وعادوا الى روح الدين وعقلانيته. لو نجح هؤلاء جميعا في تعليم الناس أن ينتقدوا ذواتهم أولا وألا يقبلوا أي شكل من أشكال الظلم حولهم، لتغيرت أحوال البلاد والعباد حتى قبل إجراء انتخابات نزيهة.

أقوال في العقل:

• إذا تم العقل نقص الكلام. (الإمام علي - عليه سلام الله).
• إن القدرة على التمييز بين الخير والشر تكمن في عقل الإنسان، لا في المجتمع. (جوستان غاردر).
• العقل البشري قوة من قوى النفس لا يستهان بها. (إبن سينا).
• صناعة عقل واحد، خير من إثارة ألف عاطفة، العقل يثبت والعاطفة تموت، وثابت واحد خير من ألف منتكس. (طلعت محمد عفيفي).
• الفضيلة بالعقل والأدب، لا بالأصل والحسب. (طه حسين).
• إمبراطوريات المستقبل هي إمبراطوريات العقل. (ونستون تشرشل).

المصدر: هذه المقالة ملخص للفصل الرابع عشر من كتاب "سقوط العالم الإسلامي – نظرة في مستقبل أمة تحتضر". المؤلف: حامد عبد الصمد.