الرشوة هي آفة قديمة حديثة لا يكاد يخلو أي مجتمع منها، وهي مظهر من مظاهر الفساد وداء خطير أصيب به المجتمع البشري، وعندما تنتشر الرشوة في أي مجتمع فإنها تنتشر بخط عمودي من رأس الهرم إلى اسفله وقاعدته. ولقد عرف علماء الإسلام الرشوة بأنها: " ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل". وهي معول هدم لمنظومة القيم والأخلاق والمعايير والأعراف الإنسانية والاجتماعية، ومسبب رئيسي لإضعاف الاقتصاد الوطني، وتفشي التعاملات غير المشروعة. وأيا كان شكل الرشوة، فالغاية منها لا تخرج عن حالات ثلاث:
• تقديم الرشوة من أجل اكتساب ما ليس بحق أو إضاعة حق الآخرين، وهذا يؤدي إلى ضياع الحقوق التي نهت عنها الأديان السماوية والقوانين الوضعية.
• تقديم الرشوة للحصول على حق لا يتعلق به ضرر بالغير، ويتعذر الحصول عليه إلا بدفع الرشوة خوفا من ضياع الحق كليا أو جزئيا، أو الى ضرر ينتج عن تأخير الحصول عليه.
• تقديم الرشوة للحصول على حق لا يتعلق به ضرر بالغير، مع عدم وجود مبرر يمنع الحصول على هذا الحق من دون الرشوة، وهذا يؤدي الى إفساد النفوس عن القيام بالواجب، ويفشي عادة الأخذ بغير حق.
من المؤكد ان الرشوة ظاهرة عالمية موجودة في كل مكان في عالمنا اليوم، مع وجود الفوارق في النسبة والحسبة. فالرشوة قليلة نسبيا في الدول الديمقراطية الغنية ذات القوانين الصارمة التي تجرم الرشوة، بينما تزداد حدتها ووتيرتها في الدول الفقيرة والدول ذات القوانين الضعيفة. قدرت الأمم المتحدة الحجم السنوي للرشاوى في العالم بنحو "تريليون دولار"، وأشارت إلى أن الاقتصاد العالمي يخسر سنويا 2.6 تريليون دولار بسبب الفساد. ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن الخسائر الناجمة عن الفساد في البلدان النامية تفوق المساعدات الإنمائية الرسمية 10 مرات، وليس هناك أي بلد أو منطقة محصنة من الفساد.
نشرت منظمة "الشفافية الدولية" بحثا وضعت فيه الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا على رأس قائمة الدول التي تمنع الشركات من دفع رشى في الأسواق الخارجية. وبحسب المنظمة المعنية بمكافحة الفساد، والتي تتخذ من مدينة "برلين" مقرا لها، فإن أربع دول فقط من بين 47 دولة، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا وإسرائيل، والتي تمثل 16.5٪ من الصادرات العالمية، هي الأكثر مكافحة للرشوة الأجنبية عام 2019م. وقالت "جيليان ديل"، الباحثة والمتخصصة بالشفافية في المنظمة الدولية، إن العديد من الدول بالكاد تحقق في الرشوة الأجنبية، ومما يؤسف له أن تقوم شركات في بلدان غنية بتصدير الفساد إلى دول فقيرة، وهو أمر يقوض المؤسسات والتنمية. وتحظر اتفاقية "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" لعام 1997م الرشوة للفوز بالعقود والتراخيص، أو للتهرب من الضرائب والقوانين المحلية.
ومن مخاطر الرشوة أنها تفسد منهج الحكم، وتضعف الاقتصاد الوطني، وتعطل إنجاز الأعمال، وتحول الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية بعيدا عن أهدافها الإنتاجية، وتضعف الثقة بين الناس وتزيد بينهم العداوة والبغضاء. الرشوة تميت الضمير الإنساني، وتتسبب في عدم احترام النفس وقيمة العمل، وتضعف جودة الإنتاج والخدمات عن طريق إقصاء الكفاءات من تولي المناصب القيادية التي تستحقها، وتجعل من المادة المحور الرئيس في الحياة.
لا يمكن القضاء على الرشوة أو الحد منها بالمواعظ الدينية والتربوية (في زمن باتت فيه موازين الأخلاق والقيم مقلوبة رأسا على عقب) وإن كانت ضرورية. العلاج الناجع يقوم على: التوزيع العادل للثروة، ومحاربة الفقر وتوفير الحياة الكريمة للناس، واستقلال القضاء ونزاهته، وإرساء مبادئ العدل والمساواة، وتعزيز العقوبات الخاصة بجرائم الرشاوي، ونزاهة رأس الهرم في السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية.
آخر الكلام: لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما. (حديث شريف -الرائش: هو الوسيط بين الإثنين).
- آخر تحديث :
التعليقات