خصص برنامج (الراحل) الذي يقدمه الأستاذ محمد الخميسي من قناة (روتانا خليجية) حلقتين مهمتين عن سيرة وحياة صاحب السمو الملكي الأمير الراحل طلال بن عبدالعزيز رحمه الله، عبر إخراج وتقديم غاية في الاحترافية، بحيث يُشد المشاهد عن طريق المونتاج والتعليق الرخيم.

فعمد المقدم تناول جوانب متعددة من سفر الأمير الراحل ولا ريب المهمة شاقة وعسيرة ومعقدة إذ لا بد من اختزال وضغط زمن طويل من الخبرة والمحطات المضيئة والمتنوعة الاتجاهات التي أسهم فيها سمو الأمير لتنوير الآخرين والسعي للارتقاء بوعي القريبين والمحيطين به وكذلك عامة الناس في المملكة.

كما نبه الأمير الراحل إلى ضرورة الانخراط مع الحداثة، وبما يجري في العالم من تطور متسارع ومتنامي في مجال التكنولوجيا والثورة المعلوماتية، والعمل مع منظمات المجتمع المدني وتطوير التنمية والاهتمام بالصحة والتعليم وغيرها.

حاول البرنامج عبر شهادات مقربة من الأمير طلال ابتداءً من أنجاله الأمراء خالد وتركي وعبد العزيز ، وابناء الأسرة المالكة من أبناء عمومته منهم الأمير سلطان بن سلمان مستشار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان والأمير بندر بن سعود بن محمد المستشار في الديوان الملكي، وأ.د عبد اللطيف الحميد المستشار في مكتب الراحل ونخبة من أصدقائه وأكاديميين وإعلامي مثل عبد الرحمن الراشد رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط وقناة العربية وغيرهم.

لقد كشفت اللقاءات الجوانب المهمة من حياة الأمير طلال.

إذاً المهمة شاقة وعسيرة ولا أدل على ذلك هو كيف يمكن تغطية الجوانب والاهتمامات والممكنات كافة عن شخصية موسوعية، مختلفة عن السياق السياسي والفكري العام في المنطقة؟ فسمو الأمير طلال بن عبد العزيز يعدُّ واحداً من أهم الشخصيات السياسية في الشرق الأوسط والعالم على الرغم من بعده عن ممارسة الفعل السياسي، وعلى الرغم من ذلك نجح البرنامج عن طريق التدرج في تناول الشخصية بشكل حاذق ومدروس حيث الدهشة والذهول حتماً للذي لم يمتلك معلومات وافية عن شخصية الأمير الراحل قبل مشاهدة البرنامج.

يحسب للبرنامج ان انطلق من الاصول والفروع والروافد التي أثرت في تنمية شخصية الأمير، وتشكلها حيث الملازمة المستمرة منذ طفولته لمجالس والده وهو يتشرب السلوك وفن وأساسيات التعلم عن طريق الحوار وعبر احترام المختلف بالرأي والتغير بوساطة الحجة القوية والدليل المنطقي، إذ تعلم ذلك منذ نعومة أظافره حين كان يشاهد ويستمع كيف يختلف المستشارون مع الملك بالرأي وعبر الحوار وتوفير القناعات للآخر..

ولكي يطور الأمير طلال أدواته المعرفية والأدبية والثقافية لجأ للقراءة منذ طفولته، فكان يمضي ساعات طويلة غارقاً في القراءة وبتشجيع من والده الملك عبد العزيز رحمه الله. ولازمته القراءة الموسوعية من الكتب الفكرية حتى متابعة المقالات المهمة والتفاعل مع أصحابها ومناقشتهم بشأنها، وعلى وفق هذا المسار ينتقل البرنامج من محطة إلى أخرى لتسليط الضوء على الجوانب المشرقة والمتنوعة في شخصية الراحل.

أظهرت الحوارات مثلاً دوره في بناء أول مدرسة للبنات في المملكة بعد أن خصص قصره لها، والمثير للاستغراب هو تدريسها الموسيقى والمسرح والرياضة ومن ضمنها الجمباز، واستعراضات في نهاية العام الدراسي فضلاً عن تقديم أفلام وثائقية عن أهمية البيئة والصحة وشركات النفط.

وأشار البرنامج لدور الأمير الراحل في تأسس برنامج الخليج العربي للتنمية- AGFUND في العام 1980 بمبادرة منه، وبدعم من قادة دول مجلس التعاون الخليجي. إذ يعمل البرنامج دولياً عن طريق الشراكة مع منظمة الأمم المتحدة، ومنظمات التنمية الإقليمية والوطنية، والمؤسسات العامة والقطاع الخاص، ومع منظمات المجتمع المدني.

علاقات الأمير الراحل المتنوعة مع قادة العالم من ملوك ورؤساء وبمختلف توجهاتهم السياسية والاقتصادية للاطلاع على تجاربهم والاستفادة منها.

كما ثمة إشارات لمواقفه الإنسانية وقربه من الناس وتعامله الطيب معهم ومحاورتهم يقابله حب الناس الكبير له.

وأخيراً لا بد من القول: إن قامة سياسية وفكرية ومعرفية مثل الأمير الراحل، وما قدمته من منجزات على الصعد كافة بحاجة للعشرات من الدراسات والبحوث والكتب للاستفادة من هذا العطاء المعرفي الهائل.