نعم, يا للهول ان يجتمع كل اولئك على ارض واحدة. ونعم, يا للهول, اننا نتشارك كلنا الارض ذاتها منذ مئات السنين, ولا نعرف شيئا عن بعضنا البعض. شيعي وسني. مسيحي وأرمني, وصابئي ايضا.
كتبت منذ أمد, ان العالم العربي يحتاج الى اصلاح ديني قبل أي اصلاح سياسي. واليوم, اعود الى النقطة ذاتها لأكررها, حيث ان خطى الاصلاح تلك, ومنذ ذاك الحين, ما تزال تراوح مكانها. ربما قفزت السعودية, كاستثناء, خطوة نحو الأمام مع موجات إصلاح مجتمعي متوالية. لكن ما يزال هناك الكثير لنفعله. أمام الدول العربية كلها الكثير لتفعله.
من الاستحالة بمكان, بناء مجتمع سليم, فيما هو يعادي هذا وذاك من ابناء الوطن الواحد نفسه.
فعلى ارضنا أديان متعددة من المسيحية وحتى الصابئة, ومعتقدات كثيرة للشيعة وحتى العلوية والأباضية. كيف لنا ان نبني مجتمعا ونحن إما ناكر للآخر, او متجاهل لحقوقه, او جاهل بثقافته ومعتقده؟
ثلاثة اتجاهات للإصلاح لا بد منها. اولا, تنقية عقيدتنا السنية من تشددها, سواء مع ابنائها المنتمين اليها, او أمام اولئك المغايرين لها. الاتجاه الثاني هو الاعتراف بجهلنا بعقيدة الآخر, وخطئنا بحقه, كخطئه هو ايضا بحقنا. أخيرا, اعطاء انفسنا الوقت والفرصة لمعرفة بعضنا.
نحن نعلم اطفالنا القراءة والكتابة, والحساب والعلوم والجغرافيا.... نعلمهم ايضا دينهم, من حديث وقرآن وتفسير. ونظل نكرر الأشياء ذاتها في كل مراحل تعليمهم حتى الجامعة وبعد الجامعة, دون ان نكلف انفسنا عناء تعليمهم شيئا عن الأديان الأخرى. ربما اخرجت جامعاتنا الاطباء والمهندسين والمفكرين, لكن اكثرهم يجهل, وبشكل كامل تقريبا, أدنى القليل عن معتقد الآخر او دينه.
أين الخطأ أن يتعلم المسلم بعض ما يفيده عن العقائد الأخرى؟ هل سيؤثر ذلك فيما زرعه اهله ومجتمعه من تبعية لدينه, او خضوعه له؟ ابدا, بل سيجعله اكثر تفهما واحتراما لأديان الآخرين وعقيدتهم. والاحترام هو مظهر للمحبة, والمحبة كل ما نحتاج.
ليست معرفة أي دين هي ما أقول به. فالأديان كثيرة, وتكفينا معرفة ما يشاركنا الأرض نفسها. فإن كانت الارض تجمعنا, فالقدر والأرض لا ينفصلان.
لنأخذ مصر على سبيل المثال, كم عدد المسلمين فيها الذين يعرفون مبادئ الكنيسة القبطية, أركانها, واصول ايمانها؟ سيجيبك من تطرح عليه السؤال: أعرف أنها تلك التي تقول إن المسيح ابن الله, فكيف لي ان اقبل بعدها ما يخالف قرآني؟ سأجيبه, لا تقبله بالضرورة, لكن لا تعاديه, لأن مبدأ المسيح ابن الله او عدمه, وإن كان هو صلب الدين المسيحي, فهو ليس كل الدين المسيحي. ثم الأهم من ذلك, ان كان هذا الدين يحث على السلام والمحبة, فلماذا انظر الى نقطة واحدة تفرقني عنه, واغض الطرف عن قواسم كثيرة تجمعني به؟
الأمر نفسه على اختلاف المعتقد. واقصد هنا سني وشيعي. واثق انا, ان احدهما لا يعرف الكثير عن الآخر. بل ولا حتى القليل ايضا. يأخذ السنة على الشيعة شتم الصحابة, والتطبير (اي ضرب الجسد في عاشوراء), والولاء لإيران. ويأخذ الشيعة على السنة كرههم لهم, وشتم أئمتهم, والتشكيك في ولائهم ووطنيتهم. والحقيقة هي ان لا أحد من أئمة الشيعة يجيز شتم الصحابة سوى بعض الغوغاء والجهلة. ولا أحد ايضا من أئمة الشيعة يؤيد التطبير, فأكثرهم يكفره. وأخيرا, فلا أحد من شيعة العالم العربي تحديدا, يدين بالولاء لإيران بالتبعية السياسية او الدينية او حتى الثقافية في ابسط صورها.
نحن اليوم محكومون بشيئين في نظرتنا للآخر: اما قنوات تلفزيونية شديدة التطرف, تكفر وتلصق تفاهات وخزعبلات بدين الآخر ومعتقده. او وسائل تواصل اجتماعي, تديرها نفوس جاهلة مريضة, تصور كل دين ومعتقد كيف شائت. فتكون النتيجة جهل يتعمق كل يوم, والإنسان عدو ما يجهل.
العلم والتعليم, هما ملاذنا. لا ضير أن يتعلم السني عقيدة الشيعي والعكس بالعكس. ولا ضير أن يعرف المسلم عقيدة المسيحي والعكس بالعكس؟
إن كنا في حاجة الى اصلاح ديني أو سياسي, فنحن في حاجة, أولا, الى اصلاح معرفتنا بالآخر. فالمعرفة سلاح. وأهم نصر يحققه هذا السلاح, هو احترام الآخر, ومحبته.
- آخر تحديث :
التعليقات