مازال دوي خبر عثور الشرطة المصرية على مئات القطع والمقتنيات النادرة من مجوهرات أسرة محمد علي في شقة بمنطقة الزمالك بالعاصمة القاهرة يثير التساؤلات حول كيف تمت سرقة تلك المجوهرات، وكنت قد كتبت مقالا تحت عنوان «شقة الزمالك ومجوهرات محمد على المسروقة» بصحيفة «المصري اليوم» وفيه رصدت تلك التساؤلات : هل سُرقت حقًا من قبل أعضاء مجلس قيادة الثورة كما يتردد؟ أين اختفت مجوهرات ومقتنيات أسرة محمد على؟ لماذا التعميم والغموض حول تلك الكنوز منذ 68 عامًا؟ لماذا لم يعلم الكثيرون عن تلك المقتنيات إلا من خلال المعروض بمتحف المجوهرات بالإسكندرية؟ هل ما يعرض بمتحف المجوهرات بالإسكندرية كل ما تملكه مصر بالفعل من أسرة محمد علي؟!.
وأشرت في البداية إلى أنه لايزال هناك أقاويل وحكايات كثيرة تنسج حول مصير هذه التحف والمجوهرات التي اختفى بعضها أثناء عمليات الجرد والمصادرة التي تمت بشكل عشوائى، ولا يوجد لها سجل أو حصر يُستند إليه لمعرفة حجم هذه الثروة المهدرة.
وأستكمل هنا الحديث عن سرقة كنوز حضارة مصر وتراثها، فمقتنيات محمد على التي تمت مصادرتها يوم 27 نوفمبر 1953 بقرار موقع من 12 ضابطا من أعضاء مجلس قيادة الثورة، أكدوا فيه الآتي «تقرر مصادرة أموال الملك السابق فاروق من اليوم وإلغاء الحراسة على أمواله»، وتمت مصادرة 24 قصرا للملك فاروق، و48 ألف فدان، ومبالغ ضخمة مودعة في البنوك باسم فاروق، أما عن المقتنيات، فقد تم بيع بعض المجوهرات الملكية عن طريق المزاد - التي تردد عنها أيضا أنها مزادات وهمية في بعض الأحيان - كما تم حفظ بعضها لسنوات طويلة في صناديق خشبية، دون توصيفها وتم إيداعها فرع البنك الأهلى الرئيسى، مما سهل سرقتها.. إلى أن بدأ عرض بعضها فى متحف المجوهرات الملكية باعتبارها جزءا مهما من تاريخ وتراث مصر- بحسب موقع الملك فاروق.
«نوم الحارس مصباح للسارق».. مثل فارسي يلخص حال السنوات الطويلة التي ظلت فيها المقتنيات حبيسة الصناديق دون جرد.. و«المال السايب يعلم السرقة».. مثل عربي، وهو ما حدث وكشفته مؤخرا القضية التي عُرفت إعلاميًا باسم قضية «شقة الزمالك»، ولك أيها القارئ بعض الحقائق التي يجب أن تعرفها : هل تعلم أن أول لجنة جرد للمقتنيات تسلمت الصناديق الخشبية وعددها 62 صندوقا.. وبعد انتهاء الجرد أصبحت 40 صندوقا فقط؟ هل تعلم أن بعضا من رؤساء مصر أهدوا الكثير من مجوهرات محمد علي مثلما فعل محمد علي نفسه وأهدى آثار مصر لكثير من ملوك العالم؟ هل تعلم أن بعض زوجات ضباط مجلس قيادة الثورة حضرن حفلا يرتدن فيه مقتنيات ملكية؟.. مدللا على ذلك بأن الفنانة مها صبري زوجة العقيد على شفيق مدير مكتب المشير عبدالحكيم عامر كانت ترتدي المجوهرات الملكية في الحفلات والمناسبات، وكشفت التحقيقات فيما بعد أن مها صبري طلبت من زوجها إعطاءها هدية من مجوهرات محمد علي المخزنة بالبنك الأهلي فساعدها واستخرج لها تصريحا بالنزول إلى المخازن، وهناك انبهرت بعدد كبير من القطع فقررت أخذها، كما تردد أن ابنة عبد الناصر في زواجها كانت ترتدي عقد الأميرة فوزية.. وفي رأيي الشخصي أن «عبدالناصر» لم يفعلها، فهو تورط في إهداء بعض المقتنيات ولكن لم يتورط في سرقتها .
وبحسب إحدى لجان الجرد، وصل عدد القطع الملكية بالصناديق إلى أكثر من 11 ألف قطعة، ووجدت قطع كثيرة دون فصوص الألماس، حيث نزعت عنوة بواسطة مجهولين أثناء تداول المجوهرات بالأيدي أو أثناء عمليات الجرد والنقل لتخزينها داخل خزائن البنك، كما خزنت المجوهرات في قش الأرز دون العلب الأصلية لها لسهولة سرقتها.
وتوالت لجان كثيرة على جرد المقتنيات الملكية.. إلا أن لجنة الجرد سنة 1977 كشفت وأكدت عمليات الاختلاس والسرقة خلال السنوات السابقة، بحسب حديثي مع المستشار أشرف العشماوي، الذي تقصى أعمال لجان الجرد واطلع على جميع التحقيقات والوثائق بشأن سرقة المجوهرات الملكية، مؤكدا أن جميع أعمال لجان الجرد السابقة اتسمت بالاضطراب والفوضى وتم التوصل إلى أن هناك اختلاسا لعدد 71 مجموعة من المجموعات الملكية وقدرت قيمتها في ذلك الوقت بنحو نصف مليون جنيه مصري، كما رصدت عملية بيع لسوار مرصع بالأحجار الكريمة من مجوهرات محمد علي في مزاد بالولايات المتحدة، وأسفرت التحقيقات الجنائية عن أن أحد رؤساء اللجان وبعضا من أعضائها هم الذين عبثوا بكشوف الجرد وعدلوا واختلسوا ما استطاعوا.
ومازالت المفاجآت تتوالى بحسب "عشماوي".. ففي عام ٢٠٠٧ قررت النيابة العامة المصرية حفظ القضية وجميع التحقيقات والقضايا والبلاغات ذات الصلة بها نهائيا لوفاة جميع المتهمين.
.. وللحديث بقية من خلال أوراق رجال «عبدالناصر».. أهم لجنة جرد للمقتنيات.