من الواضح بل والمؤكد أن كل الشعوب في العربية من المحيط إلى الخليج العربي مقتنعة بضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية حقيقية شاملة وجذرية في عموم المنطقة العربية، ولم يعد سرا أن الدعوة إلى إجراء هذه الإصلاحات قد جاءت أولا من داخل المنطقة ومن ثم من الخارج، بل ومن بعض الأنظمة الحاكمة العربية نفسها. كما لم يعد خافيا أن هناك قناعات راسخة بأن الإصلاحات السياسية تأتي على رأس القائمة، وهي القاطرة التي تقود الإصلاحات الأخرى المطلوبة والمكملة.

تقارير التنمية الإنسانية العربية منذ بداية القرن الحالي تشير إلى أن الدول العربية أصبحت، لأسباب معروفة إلى الجميع، في ذيل دول العالم من حيث عنصرا التقدم والارتقاء، ففضلا عن سيادة مظاهر الاستبداد والانفراد بالسلطة والحكم، وتقييد الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان، ومصادرة حرية الصحافة والإعلام، فإن الوضع الاقتصادي لا يبشر بالخير، فالناتج القومي لكل الدول العربية مجتمعة أقل من الناتج القومي لإسبانيا وهي دولة أوروبية من المستوى الوسط، وأن نسبة البطالة مرجحة للارتفاع الى 12.5% من مجموع القوى العاملة في العام الحالي. كما يقدر عدد الأميين في الوطن العربي بحوالي 70 إلى 100 مليون نسمة، يمثلون ما نسبته 27% من سكان المنطقة، وتبلغ نسبة الإناث من الأميين حوالي %60 الى 80%.

ومن المفارقات - العجيبة والغريبة – القائمة في الدول العربية وجود مؤسسات ديمقراطية تم تفريغها من مضمونها الأصلي الحامي للحقوق والحريات بمعناها الشامل والعام، لتصبح هذه المؤسسات تحت هيمنة السلطات التنفيذية. ومن جملة أشكال هذه المفارقات وجود دساتير تركز السلطات في قمة هرم الأجهزة التنفيذية، وتضمن أن هامش الحريات المتاح - للأفراد ومؤسسات المجتمع المدني – لا يؤثر في القبضة الحديدية الصارمة على السلطة، ومجالس نيابية تأتمر بأمر السلطة التنفيذية بدلا من أن تراقبها وتحاسبها، وقوانين تقنن انتهاك الحقوق والحريات، ومنظمات غير حكومية تدار من قبل الحكومات مباشرة أو بشكل غير مباشر، ووسائل إعلام تحولت إلى أبواق للدعاية لرموز السلطة بدلا من أن تذكي الحوار الموضوعي والنقد البناء لكل أوجه النقص في المجتمعات العربية. ومن أخطر المفارقات التي تعاني منها الدول العربية ظاهرة توريث السلطة إلى الأبناء في أنظمة حكم جمهورية في الشكل ملكية مطلقة في الواقع.

منذ احتلال العراق في العام 2003م وسقوط نظامه الشمولي والمتسلط، بدأت بعض أنظمة الحكم في الدول العربية تروج لشرعيتها عبر تخيير مواطنيها بين أهون الشرين "النظام القائم بكل عيوبه وسيئاته" أو التسلط الأصولي "الملتحف عباءة الدين" أو الفوضى وانهيار الدولة ومؤسساتها، وكأن قدر الشعوب العربية أن تعيش أسيرة هذه الخيارات السيئة. هذه الحقائق تتحدث عن نفسها بعيدا عن التطبيل الزائف، والدعايات الصفراء الفارغة.

ومن ثم فإن أمر اصلاح الدول العربية ودفعها نحو التقدم في مجالي الحكم الديمقراطي الرشيد، والتنمية الشاملة لم يعد مقتصرا على اهتمام الشعوب العربية وحدها، بل الاهتمام اصبح عالميا مصحوبا بقلق عميق من جراء تردي أوضاع الشعوب العربية، وتخلفها الواضح للعيان، واحتدام الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي زادت مساحات الفقر ومعاناة الطبقتين الوسطى والفقيرة، وصولا إلى استنزاف طاقات الشعوب العربية في الحروب العبثية والصراعات المسلحة الداخلية والإقليمية.

تقارير التنمية الإنسانية العربية تؤكد منذ عقدين من الزمن أن استمرار الأوضاع الراهنة يؤدي إلى "مسار الخراب"، فالعجز التنموي مع القهر الداخلي والاستباحة من الخارج تؤدي الى تعميق الصراع المجتمعي في البلدان العربية، وبالتالي تتزايد فرص الاقتتال الداخلي فيها. كما ان الخلل في توزيع القوة بجناحيها "السطلة والثروة" قد يتحول الى يأس وغضب يمكن أن يؤديا الى اشكال من الاحتجاج المشوب بالعنف الذي لا يمكن السيطرة عليه بالأسلوب الأمني، وقد بدأت فعلا بوادر الغضب واليأس تلوح في العراق ولبنان، وربما تتبعهما دول عربية أخرى في القريب العاجل.