تعاني الدول العربية من ظاهرة العنف الديني والطائفي، سواء بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة أو بين المسلمين والأقليات من غير المسلمين في أغلب الدول العربية. وتعتبر ظاهرة العنف الديني والطائفي الضاربة جذورها في الأعماق منذ قرون طويلة، والتي زادت حدتها منذ بداية القرن الحالي، مؤشرا خطيرا على تفكك المجتمعات العربية، وأداة فاعلة يمكن استغلالها من قبل بعض الدول التي تكن العداء للدول العربية لإثارة الفتن الدينية والمذهبية والعرقية بين مكونات الشعوب العربية وتمزيقها، وإضعاف قدراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. ومن المؤسف، ان أنظمة الحكم العربية على مدى تاريخها الطويل لم تتصدى لهذه الظاهرة الخطيرة، ولم تعمل على معالجتها بطريقة علمية ممنهجة، مما جعل من هذه الظاهرة إرث ثقيل تتوارثه الأجيال العربية جيلا بعد جيل.
وفي اعتقادنا أن العلة الرئيسية تكمن في التربية والتعليم، والتنشئة في البيت والمحيط العائلي والمجتمع بشكل عام، حيث يربى الطفل في بيته ومدرسته ومحيطه الاجتماعي على عدم التسامح وقبول الآخر المختلف معه في الدين والمذهب والفكر والعرق. وأن المدخل الرئيسي لعلاج هذه الظاهرة الخطيرة والمدمرة هو إصلاح نظام التربية والتعليم. فالمناهج الدراسية الحالية تبدو بشكل عام مكرسة للخنوع والتبعية والطاعة العمياء، ولا تحث أو تشجع على التفكير الحر والمنطقي والنقد البناء. فمحتوى هذه المناهج الدراسية، بشكل عام، يفتقر الى أدوات تحفيز التلاميذ إلى نقد الموروثات الدينية والمسلمات الاجتماعية والفكرية، ويقتل فيهم النزعة الاستقلالية والإبداعية. وفي بعض الدول العربية تفتقر مناهج التربية الدينية والاجتماعية الى المواضيع التي تحث على التسامح والقبول بالآخر المختلف، وتكريس وتعزيز مبادئ المواطنة، والولاء للوطن ككيان واحد يستظل به جميع المواطنين على اختلاف مشاربهم.
ولتأكيد واقع القصور في العملية التعليمية والتربوية العربية، تذكر جميع "تقارير تعليم الأمة العربية في القرن الواحد والعشرين" أن: "التربية العربية الحالية أدت دورا مدمرا في الحياة العربية خلال القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر، ويتمثل هذا الدور في ثلاث وظائف تتعارض مع اتجاهات التحضر والتنوير التي اعتمدتها وأخذت بها الدول المتحضرة وطبقتها منذ فترة طويلة، وهي: العزلة الحضارية، وقهر العقلانية، وتبخيس قيمة الإنسان "المواطن".
لقد بات من الضروري، في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم العربي، العمل على إصلاح أنظمة التربية والتعليم، والمناهج الدراسية في كل الدول العربية، من أجل القضاء على ظاهرة العنف الديني والمذهبي والطائفي والعرقي، ولتفادي كارثة الانعزال عن المشاركة الفاعلة في عالم القرن الواحد والعشرون، وهذا يتطلب إنشاء سلطة تعليمية فاعلة على مستوى الوطن العربي بأكمله.
وبقدر ما تنجح الدول العربية في بناء هذه السلطة أو المنظومة التعليمية بقدر ما سيكتب لها النجاح في أن تخرج مجتمعاتها من أزماتها التنموية والاجتماعية الحالية. اما إذا اصبح الحديث عن اصلاح نظام التربية والتعليم مدعاة للاتهام بالخيانة والعمالة للغرب، فستبقى المجتمعات العربية تعاني من الأزمات المختلفة التي قد تؤدي في نهاية المطاف الى التشرذم والحروب الأهلية والتفكك.
يقول المفكر عبد الرحمن الكواكبي: ما أحوج الشرقيين أجمعين من بوذيين ومسلمين ومسيحيين وغيرهم الى حكماء لا يبالون بالغوغاء العميان، والمغفلين والأغبياء، والرؤساء القساة الجهلاء، يجددون النظر في الدين، فيعيدون النواقص المعطلة ويهذبونه من الزوائد الباطلة مما يطرأ عادة على دين يتقادم عهده، فيحتاج الى مجددين يرجعون به الى أصله المبين البريء من حيث تمليك الإرادة والسعادة في الحياة من كل ما يشين، المخفف شقاء الاستبداد والاستعباد، المبصر بطرائق التعليم والتعلم الصحيحين، المهيء لقيام التربية الحسنة واستقرار الأخلاق المنتظمة، مما به سيصير الإنسان إنسانا، وبه لا بالكفر يعيش الناس إخوانا.