يقولون في مصر "العرق يمد لسابع جد" والتفسير يعني أن يتشابه الأبن في الشكل والمضمون مع الجدود حتى الجد السابع. ومن متابعاتي لنشاطات الأمير محمد بن سلمان أجد الكثير من أوجه التشابه مع جده الملك عبد العزيز آل سعود. فكما أسس جده المملكة العربية السعودية الحالية، فإن الأمير الطموح يؤسس الآن المملكة العربية الحديثة. إن الرؤية الإستراتيجية والفهم الصحيح للواقع السعودي الحالي والواقع الدولي وموضع المملكة على الخريطة العالمية جعلته يحدد الأليات اللازمة لوضع المملكة في الإحداثيات التي تليق بها في الخريطة العالمية.
في البداية ومن خلال متابعاتي لتصريحاتكم ورؤيتكم المستقبلية وأعمالكم على أرض الواقع أعتقد أنكم تسيرون في الاتجاه الصحيح والذي سوف يحفظه لكم التاريخ في الحاضر والمستقبل وهذا ما يؤكده لي الكثير من طلاب المملكة في أرض الكنانة. وكذلك تؤكده لي النظريات العلمية ذات الصلة بتطور الشعوب والثقافات.
دعوني أحدثكم بصراحة ولن أخفي عليكم رؤيتي تجاه مستقبل المملكة العربية السعودية . هذه ليست مشاعر عاطفية، وإنما مشاعر صادقة تستند إلى مفاهيم علمية لها حضور على أرض الواقع. ظهرت في الآونة الأخيرة حرب ضروس ضد المملكة. اجتهدت أن أفهم الهدف فاستنتجت ثلاث أسباب جوهرية. الأول هو أن المملكة تحاول الحفاظ على قوتها في حماية حقوق مواطنيها بتفعيل القانون وليس غيره، وأنها تريد حماية أراضيها من نزعات إيرانية عدائية محتملة ومن محاربات تركية للنيل من المملكة بشتى الطرق والوسائل لست أدري لمصلحة من! ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أن المملكة برؤية ولي العهد لن تفرط في حماية حقوق مواطنيها بسبب وجود مراكز قوى داخل الدولة. إذ أن هذه القوى متعاكسة في مصالحها، فلكل قوة أجندتها الخاصة، والتي من خلالها تؤثر على مجريات الحياة اليومية للمواطن العادي. ولذلك فقد قررت المملكة أن تتقدم للأمام بحماية حقوق مواطنيها من خلال المؤسسة القضائية فقط وأن تسحب تماما سلطات القوى الأخرى وأن تضرب بيد من حديد على أيدي الفاسدين المقاومين وليسوا المعارضين. فإذا ما تحقق هذا الهدف تكون الدولة بوحدتها الوطنية قادرة على حماية ترابها من الأعداء المتربصين بها (أيران- تركيا).
السبب الثاني يتلخص في تحكم هيئة الأمر بالمعروف في حياة الناس باعتبار أنها حامية للنظام وهي في الواقع تعادي النظام وتقمع الشعب الذي نمى وعيه بعد ثورة المعلومات عن عمد أو عن جهل لكي يتمرد على النظام أو أن يقهر دون الإفصاح عن سب القهر.
وهنا فقد نجح الأمير البطل محمد بن سلمان بحل هذه الهيئة لتكون السلطات بيد القضاء ولم يسمح بهروب سلطة الدولة إلى الزعماء الدينيين والمراجع الدينية التي تفسر بما يخدم مصالحها الذكورية. فعندما يون الأمر بيد القضاء لا ينحرف مركز ثقل الدولة عن موقعه الأصلي إلى موضع آخر. ويذلك تخفظ البلاد من حالة عدم التوازن المجتمعي، وعدم الاستقرار الأمني فلا تصبح الدولة هشة ولا ضعيفة ولا تظهر علامات عدم الانتماء للأوطان.
لأنه في فضاء القهر الديني وفي غياب سلطة الدولة عادة ما يلجأ المواطنون إلى قادة القوى الدينية. ومن بين هؤلاء القادة الذين انحرفوا عن التفسيرات الصحيحة للمقاصد العليا للأديان. في هذا الفضاء المجتمعي المريض يستنزف المواطن فكريا ويتكدس عقله بمفاهيم العداء لكل ما هو مختلف عنه ويعادي الآخر مهما كان. وفي هذا الصدد يحاول الأمير محمد بن سلمان أن يحمي الشباب من هيمنة أولئك الذين بتربحون من التجارة بالدين ويدفعهم إلى الفهم الحقيقي للمقاصد العليا للدين والتي يمكن تلخيصها في أن يكون الإنسان نافعا لوطنه وللإنسانية جمعاء بدلا من أن يكون مقاوماً وعالة على الإنسانية جمعاء.
قادت المرأة السعودية سيارتها بمفردها وشعرت أنها إمرأة حرة ملكة في بلدها ليس مسيطر عليها من قبل فقهاء مزيفون، ولسان حالها يقول لماذا اذهب إلى أوروبا، بلدي السعودية أفضل. فرح كبار السن والطلاب وكل من يحتاجون إلى الراحة والسلام والهدوء فالآذان كما كان في عهد الرسول الكريم للمصلين فقط داخل المساجد وليس خارجها هذه بديهيات الدين الحنيف الذي لا يتسبب في اضرار بالمسلمين وغير المسلمين. من يرغب في سماع الآذان يستخدم سماعات الأذن وعنده أحدث تكنولوجيات المحمول. أمور كثيرة طبيعية وبسيطة حولها تجار الدين إلى قهر وذعر فأعاد الأمير النابغة السلامة والأمن والأمان إلى أبناء بلده فهو ولي الأمر المنوط به حمايتهم من بطش الباطشين.
السبب الثالث يختص بالسلطة الحاكمة، فأما أن ترضخ للمؤثرات التي تفرضها السلطة الدينية المتشددة أصلاً، أو تلك المتحدة عمداً مع الأمراء من رجال لأعمال أو أن تؤثر السلامة ويستمر الحال كما هو عليه. وإما أن تحاول إصلاح السلطة الدينية ومؤسساتها عن طريق تحديث وتجديد التفسيرات الدينية لتتوافق مع الزمان والمكان. فإن امتنعت السلطة الدينية فلا لوم على الدولة في محاربتها بكل قوة ردع ممكنة لتبقيها سلطة روحية داخل دور العبادة فقط. وأن تمنع عنها الموازنات المالية التي تدفع لها من جيوب دافعي الضرائب كما فعلت أوروبا في العصور الوسطى. على أن تصرف هذه الأموال الطائلة في محو الأمية ومحاربة الجهل والنهوض بالتعليم والصحة، وتنمية المواهب الفنية بدً من النشء وحتى الجامعة. بغير ذلك لا إصلاح، ولا تجديد، ولا نهضة علمية، ولا اقتصادية ولا لا لا. مما سبق فإنني أثمن المجهودات العظيمة التي يقوم بها ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير الهمام محمد بن سلمان فقد أدرك مخاطر فتاوى الداخل السلفية والوهابية والإخوانية وتصدى لها بالحكمة والموعظة الحسنة. نحن نرى اليوم في السعودية كما في مصر شيوخ فتاوى التكفير والقهر والتخلف وهم يقدمون الاعتذارات تلو الأخرى وهذا بالطبع يحسب لولي العهد. على أية حال فها هي المملكة العربية السعودية تشهد نهضة حديثة في شتى المجالات العلمية والثقافية والفنية والسياحية وحقوق المرأة وحقوق الشباب في حياة عصرية كريمة تحفظ الهوية الوطنية للملكة ولا تحرمهم من ركب قطار الحداثة. إلى الأمام محمد بن سلمان وكن على يقين أن ما تفعله هو انعكاس حقيقي لتطلعات المواطن السعودي وإن عجز عن التعبير عنها خوفا من بطش المؤسسات الدينية. لقد أنطلق قطار العلوم والتكنولوجيا، والمعرفة بسرعة فائقة. ويجب على بلداننا العربية على الأقل أن تلحق به قبل فوات الأوان.
[email protected]