لم أتوقع أن تسفر ما سمي حينها ب"ثورات الربيع العربي" عن تبوء قوى الإسلام السياسي السلطة في البلدان التي حدثت فيها ثورات شعبية وخاصة تونس ومصر لما لتاريخ البلدين من غنى في عدد الشخصيات والأحزاب والافكار المدنية التي كانت مرشحة أكثر من حركاتها الاسلامية في تسيد مشهد ما بعد الثورة فيها، لكن حدث لهذين البلدين أسوأ سيناريوين محتملين في أن تكون لحركاتها الإسلاموية "الإخوانية" اليد الطولى بعد الثورة، أما كيف حدث هذا؟ وماهي العوامل التي ساعدت في تبلوره؟ فهذا ليس موضوع هذا المقال، لكن الأمر حدث بالطريقة التي حدث فيها وكانت النتيجة وصول "الإخوان المسلمين" الى السلطة في كلا البلدين وسرعان ما برزت النعرات الدينية والطائفية (في مصر أكثر منها في تونس) وحدث إنقسام مجتمعي مخيف في مصربين المسلمين والأقباط، وبين اتباع المذاهب المختلفة لو لا تدخل الجيش بإسناد شعبي قل نظيره لإستعادة الدولة من الإنحدار الى سيناريو أسوأ كثيرا من السيناريو الليبي، أما في تونس فالحال لا يختلف كثيرا من حيث إمكانية إنزلاق البلاد الى الفوضى لولا تدخل الرئيس قيس سعيد لإنقاذ مستقبل تونس من الضياع على ايدي أحزاب إسلاموية لها ارتباطات خارجية وأذرع مسلحة تتنافى مع أبسط مبادئ الديمقراطية.
المشكلة التي تستعصي على الفهم هو إن أحزاب الإسلام السياسي لا تؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة لكنها تستخدم أدوات السلطة من أجل الإنقضاض على الدولة، لذلك تجدها سرعان ما تستغل موارد البلد من خلال عمليات فساد كبرى تستنزف الدولة لتمويل حركاتها وتكوين أجنحة مسلحة تستخدمها لإغتيال الخصوم السياسيين كمرحلة أولى ومن ثم الإنقضاض على الدولة وإستلام السلطة بالعنف كما توجب عليها عقائدها تمهيدا لقيام نظام إسلامي "دكتاتوري بالضرورة" حين تدخل الفتوى بديلا عن الدستور والقانون، وحين يدخل "المقدس" معترك السياسة.
للتاريخ سخريته، فتونس من بدأت "الربيع الإخواني" ، وتدور الأحداث بطريقة دراماتيكية لينتهي المطاف بتونس ذاتها لتنتهي آخرتجارب الاخوان المسلمين فيها، بعد أن فشلت في أول أختبارحين تعرت تماما أمام مغريات السلطة وانكشفت كما هي امام الناس.
ما قام به الرئيس التونسي هو فعل تاريخي يتماشى مع حركة التاريخ وهذا أهم مافي الأمر، لأن قوى الإسلام السياسي هي قوى تسير بحكم طبيعة تكوينها وتفكيرها باتجاه مخالف لحركة التاريخ خاصة وإن الأحزاب العقائدية "الدينية وغير الدينية" شهدت تراجعا ملحوظا أمام التقدم التكنولوجي الذي أوجد الحلول العلمية للمشاكل الإقتصادية والإجتماعية للشعوب المتقدمة التي قبلت تبنيه كخيار بديل لبناء بلدانها. بعبارة أخرى إن الصراع بين العقائد والعلم قد حسم لصالح العلم، ولم تعد الأحزاب الحديثة تتحدث عن "نظريات" فلسفية لكسب مناصريها، بل تتحدث بلغة العلم والأرقام والتنمية، باللغة التي تتعاطى مع المشاكل بالتحليل العلمي والمعالجة العلمية، وليس بالتنظير الفلسفي الذي كان وسيبقى سقفا يمنع الفكر والنظر لرؤية ما بعده.
لذلك اقول إن ما حدث في تونس هو عملية إنقاذ لمستقبلها الذي لو ترك بأيدي قوى الإسلام السياسي لعادت بتونس أربعة عشر قرنا الى الوراء كما حدث في ليبيا والصومال وسيلحقهما العراق قريبا ِما دامت قوى الإسلام السياسي تتحكم بقراره السياسي والإقتصادي والأمني.ِ
- آخر تحديث :
التعليقات