الموازنات السنوية لاقليم كردستان المعلنة وغير المعلنة متسمة بالعجائب والغرائب في عالم الارقام والحسابات، ويبدو انها بعيدة عن المصداقية واالمنطق والعقلانية، وغير خاضعة للاجراءات القانونية والدستورية ولا للتدقيق ولا للتفتيش، وتشير تقارير اعلامية انها مسخرة لخدمة العوائل الحزبية الحاكمة للرئيسين مسعود برزاني والمرحوم جلال طالباني، وغير خاضعة لخدمة المواطنين بالاقليم.
فعند تحليل البيانات المالية لموازنات الاقليم التي ینشرها موقع الكتروني قريب من حركة التغيير، تنكشف ان ادارة الحكم لا تسير وفق اسس قانونية ولا دستورية وهي خارجة عن التقاليد الحسابية والمالية، وهي سائرة باتجاه وكأنها تستوطن جزيرة للقراصنة او تعتاش في بلد شبيه بصومال السابقة، وذلك بحكم القرارات القارونية الخاضعة لتلبية المصالح الشخصية والعائلية والحزبية لنظام الحكم التي تعتبر مسألة مقدسة، وكل ذلك في ظل فساد عملاق ونهب رهيب للموارد والثروات والاموال العامة.
ورغم ان ساسة ورؤساء الحكم بالاقليم لا يحملون مثقال ذرة من الوطنية ولا من المسؤولية، ولا يهمهم ما ينشر وما يكتب عنهم وعن سياساتهم الفاسدة المارقة، الا انهم يبدو ان الوقت قد حان لينقلب السحر عليهم وعلى الساحر، فتمهد لسقوط عروشهم الخاوية، وتخضع رؤوسهم لحسابات ومحاكم الشعب، وتذهب امبراطورياتهم العائلية والحزبية ادراج الرياح، حيث ان الولايات المتحدة والامم المتحدة والتحالف الدولي باتت تتعامل بيقظة ومراقبة شديدة لوضع الحكم القائم بالاقليم، "وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب سينقلبون".
ومن عجائب حكومة الاقليم انها تقترض اموالا ولا يعلم بها احد، لا البرلمان ولا الوزارات ولا الاحزاب ولا مكونات المجتمع المدني، فقد اعلنت قبل سنة انها مديونة بحدود 28 مليار دولار، واليوم اعلنت في البرلمان انها مديونة بحدود 31 مليار دولار، ولم تكشف عن تفاصيل الزيادة الحاصلة في القرض على مدى فترة قصيرة، علما ان رواتب الموظفين المدنيين والعسكرين باتت ترجع الى وضعها الطبيعي بالشهر الاخير، ولا ندري هل هي اغراء انتخابي ام مجرد نزوة وقتية.
ومن غرائب حكومة الحزبين الحاكمين، كما تبين من خلال مناقشات جرت داخل البرلمان، انها تحصل على ننسبة 42% من الموارد المالية المتـأتية من انتاج وتسويق النفط، بينما النسبة الباقية 58% تذهب الى جيوب الشركات النفطية، وهذه المعادلة المثيرة للاستغراب لا تعلم بها البرلمان ولا الاحزاب ولا المواطنين، وهي غريبة عن المعادلة المألوفة المتبعة في بعض البلدان المنتجة للنفط وذلك بتخصيص نسبة 51% الى الحكومة ونسبة 49% الى االشركات، والادهى من ذلك فرض زيادات عالية على تكاليف نقل النفط عبر الانبوب الناقل الى جيهان التركية، حيث تبلغ قيمتها 14% من كلفة الانتاج داخل اراضي الاقليم و6% داخل اراضي تركيا، وداخل الاقليم تذهب كلفة النقل المستحصلة الى جيب شركة تابعة لرئيس الاقليم والحزب الحاكم.
ومن الاجراءات الحكومية المثيرة والشبيهة بالقرصنة على الموظفين ورواتبهم واستحقاقاتهم المالية، استقطاع نسب متفرقة من مجموع الرواتب، وذلك دون مسوغ قانوني وشرعي لتبرير القطع، ودون احتسابها دينا او قرضا على الحكومة، والعملية شبيهة بقرصنة اجبارية وهمجية على الحقوق المادية القانونية للموظفين، والبرلمان المشلول المتمرس بالرقص على انغام الحزبين ورئيسيهما جعل من نفسه خرساء وفي حالة من الصم والبكم الشديد، ولا شأن به لحال وهموم المواطنين ولابحال الغدر الملحق بهم.
هذه الامثلة من الاجراءات التعسفية لحكومة اقليم كردستان العراق كثيرة لا تعد ولا تحصى، وهي مؤذية جدا للمواطنين وللموظفين، ومضرة جدا لحال الاطفال والنساء وكبار السن بسبب الاثار والعواقب الخطيرة المترتبة للاجراءات على الحياة المعيشية والحياتية والصحية والغذائية.
ومن الافعال المشينة لحكومة الاقليم التي كشف عنها اخيرا، الاسيلاء اللاقانوني على اموال البنك التجاري العراقي وهي بحدود اربعة مليارات دولار في السنوات السابقة، وهذه العملية جرت كقرصنة بمستوى رسمي على الاموال العامة للدولة العراقية الاتحادية، ومازالت مسألة حلها قيد التفاوض والمفروض ان تقوم بغداد بمحاسبة اربيل على هذا الفعل النكراء المحسوب على الاقليم بغدر كبير.
ومن الممارسات الفاسدة المقيتة المتواصلة على نطاق حكومة الاقليم ورئيسي وقيادتي الحزبين الحاكمين، هي السلوكيات المستمرة على هدر الحقوق المادية للشعب الكردي، مثل تقسيم واردات النفط الى 58% لصالح الشركات و42% لصالح الحكومة، وحصة الشركات مقسمة كالاتي: 19% كلفة انتاج، 17% مصاريف نقل (11% داخل اراضي الاقليم و6% داخل اراضي تركيا)، و 22% ارباح. ورغم ادعاء الحكومة بانها تعمل لتعديل الاتفاقات الموقعة مع الشركات لانها مجحفة تماما بحق الحقوق العامة، لكن المحاولات الموعودة لتحقيق ذلك مفبركة وممسرحة لان اغلب الشركات النفطية المحلية والاجنبية العاملة بالاقليم حزبية او عائلية او عائدة لشخصيات بارزة في الحكم.
ومن اكثر المسائل الغريبة والمثيرة والمتسمة بهدر حقوق المال العام بالاقليم، مسألة بيع وتسويق النفط بسعر اقل بنسبة 31% من السعر اليومي السائد في البروصات والاسواق العالمية، ففي البرلمان خلال جلسة استجواب مع وزراء الحكومة كشف وزير ان النفط يسوق بسعر 51 دولار للبرميل بينما كان السعر السائد للنفط في نفس اليوم 73 دولار، والفرق المهدور كان 22 دولار لكل برميل، والحجة المسوقة ان نفط الاقليم تباع من خلال شركات سوق سوداء وليست رسمية قانونية، فيا لكرامة المواطنين المسحوقة تحت ظل حكومة تتعامل رسميا مع القراصنة وشركات خارجة عن القانون.
ثلاثون سنة ونظام الحكم بالاقليم يسرق وينهب بالقرصنة كل الموارد والثروات والاموال والممتلكات العامة، والشعب صامت، والكرد ساكت، والمواطن في سبات، والحزبان الحاكمان في استبداد اكثر وطغيان اكبر، ولا استنكار ولا تنديد للامم المتحدة ولا للمجتمع الدولي لما يجري في الاقليم من فساد رهيب ومن قمع لحقوق الانسان ولحرية التعبير والراي الاخر، والاحزاب المعارضة بالاقليم في تخدير تام.
وبالختام لا ينكر ان البيانات التي تعلنها حكومة الاقليم عن النفط من خلال شركة اجنبية لا يصدق بها لا المواطن ولا نواب المعارضة بالبرلمان بسبب فقدان الثقة بين الطرفين، والايرادات العامة لا تعترف الحكومة ببياناتها ولا تعلنها، وكأنها طلسم لا يقدر اي احد على كشف اسراره، وخلاصة الامر ان ايرادات المال العام منهوبة بالعلن من قبل الحكومة والحزبين الحاكمين منذ عقود طوال، والحزبان تتحكم بهما شخصيات من الصف الاول وعائلات حاكمة ومافياتها المتسلطة على قوت كرد العراق، والاسوء الاتي هو محاولات خصخصة القطاع العام مثل الكهرباء، وهذه الخطوة ستكون بمثابة وضع طوق حديدي كامل على رقاب المواطنين، وعندها يصدق المثل الكردي الحكيم القائل، (سەد خوزكە بە كفن دزى"يا حسرة بسارق الكفن")، وحسبنا الله ونعم الوكيل، والله من وراء القصد.