أزعم أننى أستطيع وصفه بمنظور ثلاثى الابعاد لون وطعم ورائحة، فكثيرا ما شربت منقوع احساسه مركزا ولازال مطبوعا فى سقف الحلق، تميد الأرض تحت الأقدام، وتتوقف كل دورات الحياه بل ينعكس اتجاه دورانها، ولا نعود نخاف الموت بل يصبح السعي اليه هو المراد والمرام، نعم تصبح كل الاشياء سواء لا يهمنا أى منها حتى ما كنا نعشقه ونتوق اليه، ومعه تنسد كل طاقات النور، وهو ذو أسماء كثر فشل وهزيمة وسقوط وخذلان واحباط و..و.. والمعنى واحد، ويزداد الاحساس بالمرارة والشعور بالذنب والندم عندما يكون الفشل ناتج تقصير أو اهمال كان يمكن تفاديه، والأقسى أن تنهزم فى معركة لم تخضها أصلا أي الهزيمة بالانسحاب، وفى أواخر رحلة الحياه أستطيع القول أننى كنت المسئول الأول عن معظم هزائمى واخفاقاتى، والهزيمة ليست ناتج نزال بين شخصين أو فريقين فقط لكن وجوهها كثيرة تنهزم فى الحب وتنهزم فى الحياة وتنهزم من صديق وتنهزم من أخ وتنهزم من المجتمع وتنهزم من نفسك، وتلك الأخيرة هزيمة منكرة تشعرك بصغر النفس وبالأخص عندما تهزمك شهواتك وملذاتك الآنية على حساب قيمك ومبادئك، أما الهزيمة الكبرى فهي أن يهزمك الزمن ويسلبك كل مقومات الحياة وأنت لاحول لك ولا قوة وعندئذ تقترب النهايات الحزينة.

وفى المقابل ولو أنها كانت قليلة وجاءت بشق الأنفس ذقت أيضا طعم الفوز طعم النصر طعم النجاح، ويومها كان له مذاق ولون ورائحة وتصبح اللحظات سعيدة ويتجدد الأمل فى النفس ويعود الاقبال على الحياة ويغمر الحب خلايا الجسد كله وتذهب الهموم والأوهام أدراج الرياح وتعود الثقة تسكن القلوب ويعود اليقين يسكن العقول.

ومناسبة هذا الطرح هو تلك المناسبة المبهجة للنفس والجسد والروح التى تمر كل 4 سنوات، وأكثر وأمتع ما يبهج فيها هي لحظات الانتصار لحظات الفوز لحظات النصر لحظات الوصول الى خط النهاية قبل الجميع، لحظات تحدي الجاذبية ورفع أضعاف وزنك فوق رأسك، لحظات كسر حواجز الزمان والمكان لحظات استخراج الامكانات الاعجازية المذهلة للجسد البشري، وكأننا نرى مخلوقات من عوالم غريبة نعم عوالم غريبة علينا نحن سكان هذه المنطقة من الكوكب هذه المنطقة المعزولة عن الدنيا ونشاطها وثقافتها وعلمها وابتكاراتها واكتفينا بالفرجة والاندهاش وفغر الافواه وادمان الهزيمة وتبريرها، وحتى لو جاء النصر خلسة نعزوه لقوى غيبية خارقة أى أنه هبة لا نستحقها.

وعندما كنت أرى هؤلاء الشباب يرددون نشيد بلادهم بقوة وحماس أعرف مدى تصميمهم على احراز النصر لأوطانهم لرفع راياتها عاليه خفاقة تعلن عن الحصول على الجائزة، جائزة العلم والتخطيط والاستعداد المستدام لهذه اللحظة التاريخية، لحظة الفوز بالذهب، والحسرة كل الحسرة عندما أرى شفاها قد أصابها الشلل يعزف نشيدها الوطنى وكأنه يعزف لأول مرة، الشفاه ثقيلة والعيون زائغة ولما لا وعقله الباطن متيقن أن عزفه حرام وترديده حرام ويدخل الحلبة بفكر شارد ويقين مهتز بفكرة الوطن من أساسها، ويخرج مهزوما حزينا محبطا يلعن كل شئ ويدعي المظلومية وهو فعلا مظلوم ظلمه مجتمعه وظلمته ثقافته ثقافة النصر الذي لا بد أن يهبط من السماء .

نعود الى تلك اللحظة المبهجة المفرحة حيث تنفجر غدد الدموع لتغسل فى لحظة كل هموم المعاناة والانتظار والترقب والاستعداد المضنى لسنوات، وتفتح الأذرع لتعانق وتحتضن الجميع بلا تحرج ولا حساب، وترتفع الرايات خفاقة تعلن عن منظومة فى أوطان أفرزت ورعت ونمت هذه المواهب، أوطان هادئة مستقرة لا صراعات ولا أحقاد ولا فرز ولا تمييز أوطان يسودها القانون والنظام وأما هؤلاء الذين جاءوا بمنطق ربما تهبنا السماء فقد عادوا بالفتات، ولك أن تتخيل أن دولة مثل كوبا تعدادها عشرة مليونات من البشر حصدت أكثر من حصيلة كل الدول العربية مجتمعة.

الخلاصة انتهى العرس الاوليمبى وهو ليس منافسة رياضية وحسب لكنه منافسة فى العلم والتخطيط والاستعداد المدروس وانتقاء المواهب ورعايتها وأولئك هم الفائزون.