الشيخوخة ظاهرة فسيولوجية حتمية للبشر. ومع ذلك، فإن هذه الظاهرة تتجلى بشكل فريد في كل فرد. علاوة على ذلك، قد تكون الشيخوخة أكبر تحدٍ يجب أن يواجهه كل فرد منا خلال حياته.

التغييرات الشائعة المرتبطة بالشيخوخة متشابهة في كل منا. بشكل عام، لدينا نسبة متزايدة من الدهون في الجسم مقابل العظام والعضلات. يمكن أن يؤثر ذلك على الصحة بعدة طرق. على سبيل المثال، يفقد كبار السن أحياناً التوازن والقوة والقدرة على الحركة والتنقل، مما قد يؤدي إلى حلقة مفرغة من المرض. يبدأ معدل الأيض (الاستقلاب) في الانخفاض، ويبدأ الوزن في الزيادة، وتبدأ تغييرات أخرى، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري، وربما يزيد خطر الإصابة بالسرطان.

ومع ذلك، لا يجب أن تكون هذه التغيرات تغيرات ثابتة مصاحبة للشيخوخة. في الواقع، لقد تحسنت مرحلة الشيخوخة بشكل ملحوظ بالنسبة لنا جميعاً في عصرنا مقارنة بعصر أجدادنا وأجداد أجدادنا.

من المحتمل أن يتم تحديد حوالي ثلث عملية الشيخوخة بواسطة جيناتنا (الطبيعة) وتقريباً ضعف ذلك يتم تحديده بواسطة بيئتنا (التنشئة)، والتي يمكننا التحكم فيها إلى حد كبير.

من خلال أنماط حياتنا سريعة الخطى، يمكننا الوصول إلى طرق مختصرة للحصول على الطاقة المطلوبة لتشغيل أبداننا، مثل الأطعمة السريعة، التي تدعم وتيرتنا الأسرع، ولكنها تضر بصحتنا. ونحصل في كثير من الأحايين على قسط غير كافٍ من النوم، وقد نستهلك ونصبح مدمنين للمشروبات والمواد التي يمكن أن تزيد بشكل مصطنع من وتيرتنا السريعة بالفعل مثل جميع مشتقات الكافيين والنيكوتين. ومع ذلك، على الرغم من كل هذه الحقائق القاتمة، إلا أن الكثير منا يعيش حياة أطول وأكثر صحة لأنه، مع زيادة الوعي، يمكننا اختيار أنماط حياة أفضل، والتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تحسين الصحة العامة والرفاهية.

الحقيقة هي أنه يمكننا تجاوز الأمراض ونقاط الضعف التي أصبح الكثيرون في المجتمع الطبي يقبلونها كجزء من «الشيخوخة الطبيعية»، مثل مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان إلى حد ما. حيث يمكن منع العديد من هذه الأمراض أو إبطاؤها أو حتى عكسها إلى حد ما. المطلوب منا هو أن نستمع إلى أجسادنا ونستجيب لخيارات أسلوب الحياة الصحي.

لفهم كيف نتقدم في العمر بشكل جيد، نحتاج إلى فهم العملية البيولوجية للشيخوخة. لا يمكن للخلايا البشرية أن تعيش إلى الأبد، وعليها أن تتكاثر عندما تتقدم في السن أو تتأذى. بشكل عام، يمكن لمعظم الخلايا البشرية القيام بحوالي 30 إلى 50 انقسام قبل أن تفقد قدرتها على التكاثر. يسمى هذا العدد الأقصى من الانقسامات بحد هايفليك Hayflick limit. تتكاثر خلايانا الفردية بناءً على الحاجة. خلايا الدم الحمراء، على سبيل المثال، تعيد إنتاج نفسها عبر الانقسام في غضون 120 يوم، بينما تستغرق خلايا العظام سنوات للقيام بتلك المهمة. يمكن للخلايا الجذعية البالغة أن تحل محل العديد من هذه الخلايا المفقودة التي لم تعد قادرة على التكاثر. ولكن عندما يصل عدد أكبر من الخلايا إلى حد تكاثرها الأقصى الذي أشرنا إليه آنفاً، تميل الخلايا الجذعية البالغة إلى أن تكون غير قادرة على استعادة كل خلية مفردة لا يمكنها التكاثر أكثر من ذلك. في هذه المرحلة تبدأ الشيخوخة، والتي ستزداد عندما يتضاءل العدد المتاح من الخلايا الجذعية المخزنة منذ الولادة في كل عضو من أعضاء الجسم ويبدأ في النضوب. إذ لا تستطيع الأنسجة البشرية إنتاج خلايا جذعية جديدة غير تلك التي يتم إنتاجها أثناء نمو الجنين وتخزينها منذ الولادة بأعداد معينة في كل عضو متخصص في الجسم.

ربما يأتي أهم حد لعيوشية وعمر خلايا أبداننا من التيلوميرات. التيلوميرات هي نهاية الصبغيات في خلايا الجسد. وهي تعمل كغطاء في نهاية كل صبغي، وهي أيضاً مسؤولة عن الحفاظ على السلامة الهيكلية لكل صبغي فردي. في كل تكاثر، يتم فقدان جزء صغير من التيلومير؛ وفي النهاية، يتم فقد كل التيلومير، ويكون التكاثر الخلية بالانقسام بعد ذلك مستحيلاً لأن سلامة صبغياتها الهيكلية قد اختفت.

يوجد إنزيم يسمى تيلوميراز يقوم بإصلاح هذه التيلوميرات في نهاية الصبغيات، لكن الخلايا الطبيعية لا تمتلكه، في حين أن جميع الخلايا السرطانية تمتلكه بكثرة. هذا الإنزيم هو السبب وراء السمة المميزة للخلايا السرطانية والتي يمكنها الانقسام إلى الأبد. اقترح بعض الناس إدخال الإنزيم تيلوميراز في الخلايا الطبيعية كطريقة لزيادة طول العمر، لكن مثل هذا التعديل قد يشجع الخلية الطبيعية على التحول إلى خلايا سرطانية. لذلك، نحن بحاجة إلى إيجاد طرق أخرى لإطالة الحياة. من الواضح أن أسهل هذه الطرق هي خيارات نمط الحياة الصحية التي يمكننا اتباعها لتأخير الشيخوخة وتخفيف آثارها على نموذج ورفاهية حياتنا.

تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز التثقيف الصحي المستمر في لندن.