إن الدماغ ليس كالحاسوب حيث أنه في الحقيقة آلة مرهفة تعمل لإبقائك على قيد الحياة. وإنه ليس في موضعه لكي يقوم بإجراء نوع ما من عمليات الحوسبة الفائقة التي تتوقعها من الحاسوب وليس من دماغ بشري.
ويمكنك دائماً توضيح أن الحيوانات والبشر لديهم العديد من السمات المشتركة، بدءاً من الجزيئات البنيوية تشريحياً وصولاً إلى طريقة تنظيم أدمغتنا، والطريقة التي تعمل بها. ويتيح لنا التشابه بيننا وبين الحيوانات في كل من البنيات الخلوية والسلوكيات دراسة وظائف الدماغ في الحيوانات غير البشرية من أجل فهم أدمغة بني البشر.
تتضح أوجه التشابه الكونية Universal بين الأدمغة عبر المملكة الحيوانية - وخاصة الأنواع المتقاربة تطورياً - عند المقارنة بينها تشريحياً ووظيفياً. على سبيل المثال يمكن الإشارة إلى التشابه بين دماغ الفئران ودماغ الإنسان، حيث تبدو هذه الأدمغة متشابهة إلى حد كبير، سواء بالنسبة للعين غير المدربة أو لعلماء علم الأعصاب الخبراء.
ويعدُّ الشيء المختلف غالباً بين أدمغة الحيوانات هو الحجم أو نسب البنيات المكونة له. وهي مسألة اختلافات في الدرجة دون اختلافات كبيرة في مخطط الدماغ الأساسي وهيكله العام وطريقة عمله.
ويمكن العثور على نوع آخر من التشابه على المستوى الخلوي. حيث تتكون الأجهزة العصبية في جميع أنحاء المملكة الحيوانية من الخلايا العصبية، وفي كثير من الحالات مع بعض الخلايا الدبقية الداعمة. وتعدُّ الفعالية الوظيفية لإشارات الدماغ متشابهة على المستوى الجزيئي بين جميع الأجناس الحية في مملكة الحيوانات، مما يوضح ما يُعرف بمبدأ الأصل المشترك، أو فكرة أن مكونات الإشارة العصبية هذه متشابهة لأن لها سلفاً مشابهاً.
كما يوجد الكثير من الاختلافات بطبيعة الحال بين الأجناس الحيوانية. فمثلاً تعتبر البروتينات التي تنتجها الخلايا العصبية غير متطابقة بشكل مطلق، ويتم تنظيم الجينات الناظمة لعمل الأدمغة الحيوانية بشكل مختلف بين الأجناس الحيوانية، واختلاف أحجام الدماغ فيما بين تلك الأجناس ونسب مكونات الدماغ المختلفة في كل منها يعني أن الأدمغة الأكبر من الناحية الحجمية غالباً تحتوي على عدد أكبر من الخلايا العصبية وأكثر تعقيداً.
وقد أدت بعض المبادئ العامة الناشئة عن البحث في المجال الحيواني إلى مفهومين خاطئين شائعين حول الدماغ، وهما أنه يشبه الحاسوب وأننا نستخدم حوالي 10٪ فقط من أدمغتنا.
إن دماغك ليس مثل الحاسوب. إنه مصمم جيداً ليكون فعالاً من حيث مستوى استهلاك الطاقة من الحريرات الغذائية التي تتناولها، وهو في الحقيقة آلة بقاء على قيد الحياة تم تحسينها عبر ملايين الأجيال من الانتقاء الطبيعي والنُّشوء لمساعدتك على البقاء على قيد الحياة، حتى إنه يكذب عليك عند الضرورة من أجل إبقائك على قيد الحياة. وهذا هو المبدأ الأساسي لكيفية تنظيم الأدمغة البشرية.
والاعتقاد الخاطئ الثاني - المتمثل في خرافة استخدام البشر لنسبة 10٪ من قدرات أدمغتهم - ينتشر في جميع أنحاء العالم وله عواقب ثقافية. حيث يتم استخدامه دائماً لتحفيزنا على العمل بجدية أكبر، كما يستخدم لشرح الظواهر الخارقة. وقد نشأ هذا الاعتقاد حين ألقى عالم علم النفس الرائد ويليام جيمس محاضرات عامة في أوائل القرن العشرين قبل نهوض علم الأعصاب كعلم بحثي قائم بذاته أخبر فيها الحشود الشعبية من النظارة أننا لا نصل إلا إلى قدرات جزء صغير من إمكانات دماغنا الكاملة. وجاءت الأطروحة الخلبية باستخدام نسبة الـ 10٪ من أدمغتنا من رجل غير عالم يسمى ديل كارنيجي - وهو خبير في التنمية البشرية - كوسيلة لزيادة مبيعات الكتب.
إننا نعلم أننا بحاجة إلى كامل أدمغتنا لتعمل وأن الكثير من نشاط الدماغ يحدث حتى عندما نركز على مهمة واحدة. وتُظهر مراقبة لنشاط الدماغ باستخدام أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أو التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني ودراسة الأدمغة التالفة لمراقبة الوظائف المفقودة أو المتأثرة أن كل جزء من الدماغ ضروري لتمكيينا من الحياة والتفاعل مع محيطنا الحيوي بشكل طبيعي. ومن الممكن تحديد مناطق الدماغ التشريحية الضرورية لأنواع مختلفة من الوظائف البشرية (كاللغة والحركة والسمع والإبصار) بناءً على دراسات الآفات الدماغية المرضية وإصابات الدماغ الرضية، ولكن بشكل عام فإننا بحاجة إلى 100٪ من أدمغتنا للحياة بشكل طبيعي.
تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز التثقيف الصحي المستمر في لندن.
التعليقات