كان اعلان ميقاتي تشكيلة الحكومة الجديدة في لبنان بمثابة الخبر الذي أثلج صدور العديد من اللبنانيين فيما أبدى البعض امتعاضهم من بعض الأسماء المقترحة، ولكن ما بين هذا وذاك، يشعر الجميع بــأن الوضع السياسي في لبنان لم يكن ليتحمل المزيد خاصة وأن المصائب لا تأتي فردا على لبنان، الذي يعيش أزمة متعددة الجبهات حيث تكاد الطبقة الوسطى تندثر بسبب الغلاء الفاحش لأسعار المواد الأساسية مقابل الرواتب التي بالكاد تسد الرمق، اما عن أزمة الوقود والطاقة الكهربائية فحدث ولا حرج، فمن كان يتخيل أن تتحول "باريس العرب" الى "عاصمة الشمع" ومن كان ليتصور الطوابير اللا منتهية للسيارات من أجل الظفر بالبنزين الذي يكاد أن يصنف من المعادن الثمينة في نذرته وشحه عبر كازيات البلد.
وجدت إيران في أزمة لبنان، سانحة لعودتها للمشهد في الشرق الأوسط بعد غياب دام أشهر عديدة بسبب الجائحة وحالة العزلة الدولية التي أثرت بشكل بالغ في مداخيلها من العملة الصعبة، وأضحت إيران ترى في لبنان المفلس طوق النجاة الوحيد الذي بإمكانها أن تعمل على تزويده بكميات من النفط والبنزين المتكدس في خزاناتها عبر ديون آجلة أو مقابل امتيازات استثمارية أو ما شابه، وهي العارفة بالوضع الاقتصادي الصعب للبلد الذي ذهب الى الغاء الدعم على المحروقات بسبب توصيات بنك النقد الدولي وعدم إمكانية الدولة اللبنانية على تحمل أعباء إضافية في الوقت الحالي.
ولكن المجتمع الدولي وفي مقدمته القوى الفاعلة في الشرق الأوسط والمتمثلة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة غير مستعدين على مد يد العون للبنان لتصل الى يد الإيرانيين لخدمة مآرب تضر بمصالحهم بالدرجة الأولى وتقوي نفود حزب الله في لبنان، بل غير مستسيغين لحركة السفن بين طهران وبيروت التي لربما قد تكون الملاذ الآمن لنقل الميليشيات والأسلحة الى ضفة البحر الابيض المتوسط.
ويقرأ من تصريحات ميقاتي الأخيرة التي ناشد فيها الدول العربية بالوقوف مع لبنان في هذا الظرف الصعب على انه قراءة جيدة لما يستوجب فعله لإيقاف بواخر النفط الإيرانية التي تتدفق على لبنان، واستبدالها بأخرى عربية قد ترفع الحرج عن بيروت أمام المجموعة الدولية التي لا ترغب في أن تعطي لإيران فرصة لتكوين لوبي اقتصادي في لبنان ووقوعه في نفس الفخ الذي وقعت فيه سوريا حيث أصبح لإيران وزن ثقيل في المعادلة الاقتصادية السورية اذ انها بسيطرتها على القطاع الحيوي للطاقة في سوريا ضمنت لنفسها مركزا مهما تحسب له الحكومة السورية ألف حساب، اذ ان ايران قادرة على إيقاف وشلل المصانع السورية اذا توقفت عن ضخ البنزين، وهذا ما لا يجب أن يتكرر في لبنان اذا توسعت الهيمنة على قطاع المحروقات من طرف الإيرانيين.
تحاول الدول العربية مؤخرا وفي مقدمتها الأردن أن تمارس دورها العربي في انقاذ لبنان وتخليصه من الاخطبوط الايراني الذي يحاول ان يضمن عقدا طويل المدى لامدادت الوقود ومن ثم السيطرة على مورد حيوي قابل لإشعال لبنان في أي لحظة، وبالرغم من ان الخطوة جاءت متأخرة قليلا الا أن الأردن ومصر وتشكران على ادراكهما ان الوقوف بجنب لبنان هو السبيل الوحيد لإخراجه من أزمته الحادة في الوقود والكهرباء وعزلته الاقليمية والدولية التي تسبب فيها حزب الله.
التعليقات