حاليا في الاوساط السياسية الغربية، أي مرشح يريد أن ينتخب لأعلى منصب سلطة (والمستبان، أن المتطرفين اليمينيين في فرنسا، قد استوعبوا جيدا، قواعد هذه اللعبة الحربائية في تغيير لون البشرة الخارجية) يحتاج إلى إيجاد شعار سياسي لائق ومناسب. لأن أي مرشح منتخب يريد ادعاء أحقيته برئاسة السلطة السياسة، في عقود ما بعد الألفية الثانية، لا يمكنه الاستغناء عن الإمكانات الإشهارية الحديثة، ليكون قادرًا فعلا، على صياغة هذا الادعاء، بشروط المستوى المرئي الرقمي، الأكثر تطلبا و انتشارا .

ولأن الكثير، مما شاهدته الحملات الانتخابية الأمريكية في السنوات الأخيرة، ترك أثره أيضًا على الحملات الانتخابية في البلدان الأوروبية. أصبحت الحملات السياسية متشعبة، و احترافًية، وأكثر استهدافا لفئات طبقية معينة، وأكثر إبهارا من حيث التصميم، وأيضًا أكثر ولعا بالبهارات المرئية، التي تخلب البصر، محاولة إبراز مكامن القوة والتفوق.

فتقريبا، وعلى طريقة تقليعات العلامات التجارية للشركات الكبرى العابرة للقارات، تريد الأحزاب اليمينية أيضا، أن تغير من اسلوبها القديم المتلكأ، و تأقلمه ليكون اكثر جاذبية، وليس فقط فيما يتعلق، بمحتوى وعروض خطاباتها المنمطة المستهلكة، بل أيضًا، فيما يتعلق بالحضور الاعلامي المرئي والرقمي؛ فلقد أظهرت بعض التحقيقات الصحافية الدولية، بالنقطة والفاصلة، كيف في هذه الأواخر، الأحزاب الشعبوية اليمينية الأوروبية، على وجه الخصوص، خرجت من قوقعتها المحافظة المتصلبة، و تدربت جيدا، على كيفية استخدام الوسائط الرقمية، لصالح حملاتها المتجددة.

ففي تصميم الشعارات السياسية، من الشائع في العصر الرقمي، استلهام الرموز المرئية، و أشكال العلامات التجارية الناجحة في الأسواق العالمية؛ بل يتم عند الاضطرار، نسخ أكثرها شهرة، وانتحالها بدون تردد.

فقد يساهم، هذا الشعار المختصر، واللغة المرئية المميزة، بفعالية و بشكل حاسم، في إطار استراتيجية الاتصال المتبعة، إلى تنشيط وتحفيز وتعبئة المؤيدين الجدد، لا شعوريا.

استعدادا للسنة المقبلة، خطط بدهاء، أحد أحزاب اليمين المتطرف الفرنسي، للفوز بالانتخابات. و من أجل التمكن من خوض الحملة الانتخابية، بكل قوة هندسة الشعارات الحديثة المتوفرة، أرادت زعيمته مارين لوبين، أن تجعل نفسها جذابة ومؤهلة، لتجسيد هذه الهالة الرقمية اللائقة، في نظرة الناخبين البرجوازيين الفرنسيين الجدد، اللاهثين خلف هوية أصيلة مزعومة.

فالموقع الرقمي، لحزبها اليميني المتطرف، الذي غيرت اسمه إلى "التجمع الوطني"، يشتغل بجد، ليكون بمثابة نقطة الاتصال المركزية، للحملة الانتخابية في وسائل الإعلام الرقمية، محاولا ان يعطي انطباعا أوليا، عن كيفية إعداد العرض المرئي اللامع، للحزب، في الحملة الانتخابية المقبلة، حتى لا نقول، الفرجة السياسية بغطاء آخر، يحجب تورماته الماضية المشينة لصورته.

فهو يستخدم حرف "M -la france" الكبير مع الالوان الثلاثة للعلم الفرنسي كشعار للحملة. ومما ينطوي عليه، ان زعيمته مارين المتطرفة، هي سيدة فرنسا الجديدة. وهكذا تم رفع دفعة واحدة، مارين لوبين، لتمثيل فرنسا كلها !!

والأدهى ان الشعار، خرج مشابها ومصمما بالكامل، بأسلوب معرّف لشعار، منصة البث الأفلام الترفيهية Netflix.

فعلى المستوى المرئي، هذا يخلق قربًا (مستهدفا و موجها من طرف مهندسي حملة الحزب اليميني) من إحدى العلامات التجارية، لمنصة رقمية، الأكثر نجاحًا وشعبية حاليًا على شبكة النت، والمتابعة من طرف فئات شابة، يسهل إفتتانها بمثل هذه الشعارات البصرية.

سعياً، وراء هدف عدم النظر إليه، على أنه حزب يميني متطرف، لا يتردد إذن الحزب في تقليد المنصات الرقمية، لجذب الأصوات، كجزء من حملته الانتخابية الرئاسية، والتي وصفتها مارين لوبين نفسها، بأنها اللحظة المصيرية في التاريخ الفرنسي، للحسم في الهوية.

فهذا يدل على أنها قادرة حتى الآن على معاداة المتحدرين من أصول أجنبية بالشعارات الملغومة والتحريض بالبلاغة المنمقة والتواصل بلغة لطيفة (بصرية) وصورة خارجية جذابة مع تبني نغمة أكثر اعتدالًا من أجل زيادة جاذبية الحزب المتطرف.