▪︎ إن إثارة قضية برنامج التجسس بيغاسوس، وعودته اعلاميا للواجهة، مع فرضية استخدامه من طرف بعض الدول (التي تبقى حتى الان مشكوك في تورطها الفعلي) من وجهة نظرنا طبعا، فانها تحجب من ورائها منافسة شرسة بين الدول الغربية الكبرى (التي تريد احتكار انتاج هذه الوسائل السيبرانية الرقمية الفتاكة) اكثر مما تخدم، حرمة القضايا الحقوقية، لتحصينها من المشتبه في انهم ينتهكونها.

▪︎ فعملاء المخابرات الغربية، الاحترافيون الذين يتقنون مهنيا، فك شفرات شبكات التنصت الرقمي على المكالمات الهاتفية المعقدة، ربما يتابعون بتهكم، وفي سرية هذه الضجة الإعلامية الملفقة، التي تريد توريط دول ناشئة، في قضية تجسس محتملة، لم يتم الإجماع على حدوثها، في حين أن هذه الاخيرة (اعني دول العالم الثالث الموجه لها التهمة) ما زالت بكل إمكانياتها المحدودة، تتخبط في طريقها نحو التقدم التقني، لتأمين فضاءها السيبراني الخاص وتحصيل السيادة الرقمية!.

فهم اذن أكثر احترافية، وخبرة بعالم التجسس الجيوستراتيجي، التي لا تزال راهنا خباياه، كما يعلم الكل، حكرا على القوى الغربية الكبرى والشركات الموالية لها.

▪︎ برمجيات التجسس مثل بيغاسوس الإسرائيلي ليست الوحيدة المتاحة في الأسواق التجارية العالمية بل عشرات غيرها موجودة في هذه الأسواق، المسيطر عليها بشكل أو بآخر، من قبل هذه الدول الغربية نفسها، فكلهم سيستفيدون عكسيا، من هذه الضجة المثارة، لضمان عرض تكنولوجي عالمي يخدم أيضًا مصالحهم الاقتصادية السيادية.

▪︎ مما يعني هذا، ان الصناعة في خدمة التجسس السيبراني، عرفت ظهور مشغلين تكنولوجيين متطورين، اغلبهم حصل على كفآته من مكاتب أجهزة المخابرات، يسوقون لأدوات تكنولوجية عالية الدقة، في إعتراض المعلومات والتقاطها كيفما كانت طبيعة بثها. داخل ظرفية صعبة، تصاعدت فيها التحديات الأمنية، اولها تكاثر بؤر الإرهاب العالمي، مع عودة النزاعات والتوترات والتنافس بين الدول الكبرى وبين تكتلاتها الصناعية القارية.

▪︎ فحكومات الدول القوية، تفعل ما تريد وما يخدم مصالحها اولا، من خلال تأمين شبكات اتصالاتها (تعميم التشفير الإجباري، وخلق سلاسل الأرقام الافتراضية، وما إلى ذلك مما سيعزز أمنها الرقمي) وقبل كل شيء، من خلال حماية المخترعين المؤهلين لهذا النوع من الصناعة التكنولوجية السيبرانية، الذين سيكونون ضامنين للسيادة الرقمية، داخل حدودها حاليا وعلى المدى البعيد.

علاوة على ذلك، كل عضو من فئة هذه الدول الغربية القوية، تتنافس بشدة واحيانا في سرية، من أجل تجنب إضعاف هذه السيادة، ولكي لا تجد نفسها في حالة تبعية تكنولوجية للآخرين، متصرفة كما ينبغي، حتى لا تترك الفرصة، للمشغلين الأجانب الإنقضاض على شركاتها المحلية، المشتغلة في مجال الدفاع السيبراني، والتي ربما ستضعفها الإجراءات القانونية الداخلية، و تكبل اندافعها الصناعي، لحساسية هذا الميدان، وتصادم نوعية وظائف تطبيقاته مع محظورات قانونية، طالما كافحت لتحمي البيانات الخاصة والحياة الشخصية من القرصنة.

الأكيد أن التكنولوجيا المعلوماتية، قد أحدثت ثورة في عديد من القطاعات، وبدورها الاستخبارات العالمية في شقها السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، لم تعد تحصر تنفيذ خدماتها الفعالة بالطرق الكلاسيكية، مع وجود أدوات المراقبة عالية التقنية، التي أتاحتها الثورة الرقمية، والتي سهلت التجسس على نطاق واسع.

وهكذا من خلال مراجعة شاملة، للأساليب الكلاسيكية المعتمدة سلفا، والتي تعتمد فعاليتها، بشكل أساسي على الذكاء والخبرة البشرية، ثم التحول والاستفادة من نجاعة الذكاء الالكتروني الرقمي لسيولته و شموليته.

فكان من الضروري، التحضير والاستعداد، لأن التهديد الإلكتروني الإرهابي وهجمات القرصنة، يمكن أن يحصلا في اي وقت هادفا تدمير أنظمة المعلومات او الاستحواذ عليها.

فإذن بلا شك، الصراعات المستقبلية ستكون رقمية، ولهذا السبب جميع الدول الغربية، تعمل سرا وعلنا، على تعزيز القدرات الدفاعية لفضائها السيبراني وقدراته التجسسية المضادة.

وهذا ما يدفعهم الى محاولة احتكار الوصول إلى المراقبة السيبرانية الجيوستراتيجية، التي يجب أن تبقى تحت رعايتهم، ومجالا محجوزا أو امتيازا تكنولوجيا لنادي الكبار، واعتبار دول العالم الثالث قاصرة عن حماية أمنها الرقمي وليست لها الأهلية الحقوقية الكافية لخوض المضمار!!!