كانت وجهة نظر وزير الاعلام اللبناني فيما يخص التحالف العربي في اليمن، بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس المليء بالرواسب التي خلفها تقارب العدو الكلاسيكي لدول الخليج مع لبنان، اذ أضحت إيران أقرب من ذي قبل من مركز القرار في بيروت، وهذا بعد أن وضعت الجائحة لبنان في قائمة الدول الفاشلة والمفلسة، والغير قادرة على توفير أبسط مستلزمات الحياة من وقود وأدوية وخبز، لتأتي الفرصة المناسبة لطهران للانقضاض على ما تبقى من البلد، لإنقاذ حليفها حزب الله من الانهيار واعطاءه دورا أكبر في صناعة القرار داخل البلد.
لقد أخطأ القرداحي التقدير والتوقيت، في استعمال بلاغته الصحفية لأبداء الرأي في مسألة خارجية، بل زاد الطين بلة حينما ربط موضوع الاستقالة بالكرامة، ولكن أين ذهبت بلاغة القرداحي ووجهة نظره عندما دخل ماكرون الى قصر بعبدا متصرفا كملك لبنان، مستصغرا للجميع، وملغيا لهيبة وكرامة الدولة اللبنانية أمام شعبها الذي أصبح يطالب بعودة الوصاية الفرنسية، ألم يكن بالإمكان أن يدلي القرداحي بوجهة نظره الشخصية ليعبر عن سخطه من تصرف فرنسا اتجاه لبنان وأوامر ماكرون التي وجهها بلهجة حادة الى جميع المسؤولين في عقر دارهم، ولكن خطأ ميقاتي كأن أكبر من خطأ القرداحي في حد ذاته، فكيف لمسؤول عن تشكيل وزارة ان يورط لبنان في اختيار شخصية لها مواقف تحمل خلفيات ضد دول يفترض بها أن يكونوا حلفاء لا أعداء، هل دفع ميقاتي بخطأ مقصود الى تعيين القرداحي وزيرا ليقضي على ما تبقى من الفرص الممكنة لتصحيح العلاقات مع دول الخليج أم أن هنالك جهات خفية في لبنان جعلت ميقاتي يصنع من القرداحي كبش فداء أريد لتفجير أزمة ديبلوماسية بإعادة نشر لتصريحات لم يكن لها الصدى الواسع قبل توليه المنصب ؟
لاتهم الدوافع والخلفيات التي جعلت حبل الود ينقطع بين بيروت وعواصم خليجية بقدر ما يهم ما سيترتب عنه هذا جراء الأزمة الديبلوماسية: ربما أخطأت دول الخليج التقدير عندما دفعت بتصعيد الأزمة لتوجيه رسالة الى حزب الله وإيران، لأنها ستزيد من ارتماء التيارات اللبنانية الضعيفة في حضن إيران، وستجد الدولة اللبنانية نفسها أضعف من ذي قبل امام تغول حزب الله واستفراد ايران بلبنان الذي أصبح يعاني من عزلة إقليمية، وربما ستدفع مصر الى قطع مشروعها لإيصال الغاز الى لبنان عبر سوريا، وذلك لان مصر غير مستعدة لخسارة حلفاءها من المنطقة، خاصة وأن لبنان يعيش مرحلة مفصلية تشبه تفكك الدولة وقد تذهب به الى حرب أهلية ومواجهة بين التيار الرافض لحزب الله والتيار المنادي بمدنية الدولة وابعاد لبنان عن الأطماع الخارجية .
لن تكون هناك إمكانية لرأب الصدع بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي الا إذا توفرت الشجاعة الكافية لدى من يفترض بهم ان يكونوا صناع القرار الحقيقيين في لبنان لممارسة شرعيتهم، لقد بدى واضحا أن اختيار القرداحي لم يكن صدفة بل قد اختارته الدوائر الفاعلة في لبنان لتوجيه المؤسسة الإعلامية حسب اجندتها السياسية ولإطلاق رصاصة الرحمة على العلاقات الخليجية اللبنانية، لتقدم لبنان على طبق من ذهب لإيران التي ستنتهي به في اخر المطاف لخوض جولة من المواجهات المباشرة بينها وبين إسرائيل بإشراف من ذراعها العسكري فيه، ثم ستتركه ليلملم الجراح وحيدا متحسرا على عزلته الإقليمية.
التعليقات