ينشر عشرات الشباب يومياً الذين يهربون من إقليم كوردستان في رحلات محفوفة بالمخاطر مقاطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي وصوراً توثق الرحلة من بينها صور أسر كاملة من ازواج واطفالهم الذين لا يتجاوزون العشر سنوات، وهي المشاهد التي تتكرر بشكل ملفت خلال الآونة الأخيرة. كما تكشف تقارير حكومية عن هجرة آلاف المواطنين في الإقليم ممن جعلوا بيلاروسيا وليتوانيا وبولندا وجهتهم، أملاً في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية .
أَظْهَرَ مقطع فيديو نُشر يوم امس عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحشود من المهاجرين الكورد أثناء ما يبدو أنه محاولة للتسلل عبر سياج من الأسلاك الشائكة، لكن حرس الحدود البولندي كان يمنعهم بشتى الطرق ويستخدمون القوة لصد الناس الذين يسعون للحصول على الحماية.
وفي مقطع فيديو نشر يوم امس على الإنترنت، شوهد شاب كوردي يحمل جاروفا، ومجموعة أخرى تحمل جذع شجرة وهم يحاولون فتح طريقهم عبر سياج الأسلاك الشائكة. وشوهد جندي بولندي يرتدي الزي الرسمي يرش (رذاذ الفلفل الحارق ـ غاز الفلفل )عليهم ويهددهم .
كما أصيب طفل كوردي إثر هجوم جندي بولندي عليه بغاز الفلفل عندما كان يطلب منهم باللغة الانكليزية المساعدة ويشرح له وضعهم المأساوي وقساوة ظروفهم المعيشية القاسية والمميتة نتيجة قلة وانعدام الماء والغذاء وانخفاظ درجة الحرارة إلى مستويات دون الصفر. حيث اضطر آلاف اللاجئين الكورد إلى نصب الخيام على الحدود البولندية بحثا عن فرصة لعبور الحدود.

اسباب الهجرة بعد 30 عاماً من الحكم الكوردي المستقل :
كما هو معروف للجميع، ان لامبالاة الحكومة وعدم وجود فرص عمل، وفقدان الامل، وعدم وضوح المستقبل وانعدام الخدمات الرئيسية و البطالة القاتلة تدفع بعشرات الآلاف من الشباب في إقليم كوردستان إلى الهجرة إلى الدول الاوربية بشكل موجات لايصدقها العقل، كما يلاحظ وجود عائلات بين هذه المجموعات تسعى إلى أخذ هذا الطريق الخطر للوصول إلى أوروبا. فمنذ بداية العام الحالي، بلغ عدد المهاجرين الذين دخلوا ليتوانيا عبر جمهورية بيلاروسيا أكثر من 4000 شخص، غالبيتهم من أقليم كوردستان .
وحسب وزير خارجية ليتوانيا أن هناك 3500 مهاجر داخل المخيمات في ليتوانيا، توجهوا من مطاري أربيل والسليمانية إلى بيلاروسيا بصفة سائحين وانتقلوا من ثم إلى ليتوانيا بطريقة غير شرعيّة، ومع وصولهم خضعوا للحجر الصحي لمدة 14 يوماً.
ويعيش اليوم بعض المهاجرين الكورد واغلبهم من (قلادزه، رانية، ناحية شيلادز التابعة لقضاء عمادية في محافظة دهوك ،سوران، حلبجة، سيد صادق وهولير) يعيشون في مخيم بابرادي في ليتوانيا، وهم يواجهون ظروف معيشية ونفسية سيئة جداً.
وأكدت مسؤولة مكتب منظمة الهجرة الدولية في ليتوانيا، أن عدد المهاجرين إلى البلاد يزيد بشكل سريع، خصوصاً في الأسابيع الماضية، مبيّنة أن المنظمة تضع أمام أولئك المهاجرين خيار العودة إلى بلادهم بشكل طوعي.
فيما نقلت وكالة الأنباء البيلاروسية (بيلتا) يوم امس أن غالبية المجموعة التي تحركت في المنطقة التي لا تبعد كثيراً عن معبر بروزغي الحدودي، تضم 1500 شخص من إقليم كوردستان.

اعذرني وطني:
وهنا انشر الرسالة التي استلمتها من احد المهاجرين الكورد يوم أمس مع بعض الصور توثق معاناة اهلنا العالقين على الحدود البولندية بينهم نساء وأطفال وشيوخ ومعوقين ومرضى، لعلى وعسى أن تصل هذه الرسالة والصورالمرفقة إلى رئيس الإقليم من خلال هذا المقال.
يقول صاحب الرسالة : (هذه الصور ليست صورالانفال ولا فاجعة حلبجة ولا لقطات من الهجرة المليونية 1991 (النزوح الجماعي للعوائل الكوردستانية نحو الحدود العراقية التركية الايرانية، هرباً من ظلم الطاغية المقبور صدام وأزلام حزبه الفاشي )، وانما هي صور النزوح الجماعي للعوائل الكوردستانية نحو حدود بيلوروسيا ـ ليتوانيا ـ بولندا ـ هرباً من جحيم السلطة.
وينهي رسالته بهذه العبارة المؤثرة : (اعذرني يا وطني، ما بينك وبيني اخترت نفسي مجبراً، في الوقت الذي ارغمتني الحياة ان أخطو خُطواتي بأتجاه حُدود الموت).

اخيراً .. اوجه كلامي إلى رئيس الإقليم واقول: ان دراسة ظاهرة الهجرة وخاصة بين الشباب هي مسؤولية جماعية مشتركة ينبغي أن تقوم بها الجهات المعنية في الإقليم (من وزارات ومؤسسات رسمية ومنظمات مجتمع مدني)، كما على الحكومة ان تتحرك بسرعة وبجدية نحو تنمية فاعلة ومستدامة لخلق المزيد من فرص العمل ورفع مستوى معيشة المواطن الكوردستاني.
فالشباب هم الشريحة الأكثر أهمية في أي مجتمع وإذا كانوا اليوم يمثلون نصف الحاضر فانهم في الغد سيكونون كل المستقبل، فهم من يحددون في الدول المتحضرة والمتقدمة مصير الدولة والحكومة باعتبار ان الشباب هم أمل الأمة وسر نهضتها وتقدمها وهم مصدر قوتها وعزتها وعمادها وليس العكس.
وهنا يحق للمرء ان يتساءل: إلى متى تبقى حكومة إقليم كوردستان غير مستجيبة لكل الصرخات والاستغاثات المنطلقة من حناجر الشباب المغدورة والعاطلة عن العمل؟ الا تسمع يا رئيس إقليم كوردستان بان حياة الكثيرين من شبابنا الابرياء انتهت وتنتهي بنهاية ماساوية بعد ان تحولوا إلى (وجبات للأسماك و الحيتان وقساوة حراس الحدود) وهم في طريق الهجرة السرية إلى اوروبا؟ الا ترون مشاهد الجثث الطافية لشبابنا على السواحل الأسبانية والايطالية والتركية والتجمعات في المخيمات الحدودية وهم في طريق الهجرة السرية إلى اوروبا؟ الم تسمعوا بغرق وفقدان عشرات من شبابنا قبل ايام في مياه البحر المتوسط وقبالة السواحل الإيطالية تحديدًا؟ الا ترون ما يحصل للمهاجرين الكوردستانيين العالقين على الحدود البولندية (الحدود الخارجية للاتّحاد الأوروبي)؟ الا تعرفون بان وضع هؤلاء اللاجئين على الحدود صعب للغاية، وحتى الآن فقد العديد من الأشخاص حياتهم الغالية.
اختتم مقالي واقول: ان من واجب وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتيكس) ووكالة اللجوء (إيسو) ووكالة الشرطة (يوروبول) والمنظمات المعنية بحقوق الانسان ان تقوم فوراً بمساعدة المهاجرين العالقين على الحدود البولندية وتسجيلهم رسمياً ومعالجة طلبات لجوئهم فورأ.
ويبقى السؤال الاهم : بعد 30 عاماً من حكم الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني لماذا يهاجر آلاف الكورد من إقليم كوردستان إلى المجهول؟

ملاحظة: في عام 2015 كتبت مقال في صحيفة "إيلاف" كان عنوانه : (هجرة الشباب الكردي من المجهول إلى مجهول ) والان نحن في عام 2021 ومازال المقال وعنوانه صالح للنشر.