لقد اختزلت التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة إقليمياً ودولياً على مسارات وتفاعلات العلاقات بين إيران وإسرائيل.
وهذا القلق الذي يصاحب كل الفاعلين أمر طبيعي ومتوقع. فوفقاً للدراسات والقراءات، السلوك السياسي للدول باعتبارها الفاعل الرئيسي يكون مرهونا بالتحولات في موازين وبنية القوة السائدة.

فالأصل هنا بنية قوة قائمة تتحكم فيها دولة معينة إقليمياً ودولياً. ثم يبرز التحول او العمل على تغيير بنية هذه القوة، من قبل قوة إقليمية أو دولية صاعدة.

وهنا لدينا النموذج الإقليمي المتمثل في إيران كقوة إقليمية صاعدة وتعمل على تغيير بنية القوة السائدة التي تحكمت فيها إسرائيل لعقودٍ طويلة، والنموذج الدولي المتمثل بالصيني المدعوم من روسيا بالعمل على كسر إحتكار الولايات المتحده لهيمنتها وسيطرتها وأحاديتها على بنية القوة العالمية.

ما يعنيني، هو النموذج الأول، وهو ما سنتناوله في مقالة اليوم.
لقد بنت إسرائيل قوتها منذ اليوم الأول لنشأتها على بناء القوة النووية وإمتلاك عناصر القوة الصلبة بتحالفاتها الدولية، خصوصاً مع الولايات المتحدة. ولذلك عملت طوال العقود السابقة على الحيلولة دون بناء قوة إقليمية منافسة لها. واعتبرت ان مجالها الحيوي يُغطي كل المنطقه بل يتجاوزها.
اليوم تحاول إيران تغيير هذه المعادلة. ليس فقط بتطوير قدراتها التسلحية الصاروخية، بل النووية.
تعرف إسرائيل مسبقاً أن إيران_ حتى لو أمتلكت القوة النووية_ فهي لن تستخدمها، لكنها مع ذلك تعتبرها تهديداً دائماً لوجودها وبقائها. فإيران تدعم وكلائها في المنطقة من الفواعل غير الدول كحزب الله وحماس والجهاد، ولقد قامت بتطوير قدراتهم المسلحة. وهم يتواجدون على الحدود مع إسرائيل. وهذا يعني أيضا تراجع المجال الحيوي لإسرائيل وتقاسم مناطق النفوذ. وهو ما يتناقض مع المفهوم الأمني لإسرائيل.

روبرت فارلي الأستاذ بكلية باترسون للدبلوماسية في جامعة كنتاكي، يجيب على العديد من التساؤلات حول مآلات الحرب بين إسرائيل وإيران ومعنى هذه الحرب ومن سيدفع ثمنها.
ويقول في البداية، أنه رغم المواجهات العسكرية المكشوفة في البر والبحر، فإن الحرب الشاملة ليست في مصلحتهما. لكن وفقا لقانون ثيوسيديس وحتمية الحرب تبقى الحرب خياراً قائماً وخصوصاً من قبل إسرائيل التي تعارض أي تحول في موازين القوة وتعتبره تهديداً وجودياً. فالحرب تندلع في الوقت الذي تشعر فيه الدولة أن أمنها وبقائها الوجودي مهدد.
وإيران قد تذهب للحرب او تُفعّل دور وكلائها لتحويل الأنظار عن مشاكلها الداخلية وتدهور إقتصادها، الذي يُهدد بقاء نظامها الملالي.
وهنا يكمن القاسم المشترك بينهما. التهديد الوجودي وإن كان في حالة إسرائيل أكبر، لذلك المبادرة بالحرب ستكون خياراً إسرائيلياً أكثر منه إيرانياً. وقد نذهب لحربٍ قصيرة سريعة ترى فيها مكاسب سياسية تُعيد إيران للوراء مع عدم إحتمالية ردها حفاظاً على بقاء نظامها.
وقد ترى إسرائيل في الحرب السريعة والمدمرة فرصةً لنزع الشرعية عن إيران وزعزعة إستقرارها أو الحدّ من نفوذها في المنطقة.
وهو ما قد يلقى تجاوباً من دول كثيرة إقليميا ودولياً. وهنا تقوم إسرائيل بدور الحرب بالوكالة نيابةً عن أميركا.

ويبدو واضحاً أن إسرائيل تحاول الضغط على المفاوضات التي تتم بين إيران ودول الخمسة زائد واحد وخصوصاً الولايات المتحدة بفرض مخاوفها الأمنية للضغط على إيران وإنتزاع تنازلات أكبر في مجالات القدرات الصاروخية وتقليص مناطق النفوذ.
ولعل أبرز التحولات في نظرية الأمن القومي الإسرائيلي أنها عندما تصل للتهديد الوجودي تذهب لقدراتها الذاتية ثم تفرض الواقع على الولايات المتحدة التي لا تتخلى عنها في أي ظرف من الظروف.
ويبقى كما قال روبرت فالي ان الحرب الشاملة ليست في مصلحتهما، وليست في مصلحة الفاعلين الآخرين. لأنها حرب_ إن وقعت_ لن تكون ثنائية ولا إقليمية، بل قد تتجاوز ذلك كثيراً.
فالقوة هي من تفرض الحرب والقوة هي من تكبح الحرب.. وهذه هي العلاقة بين إيران وإسرائيل اللتان تبحثان عن إستراتيجية لحفظ ماء وجه كل منهما...
..ولا يبقى إلا خيار البحث عن صيغ للتعايش مع القوة.