لم تكن القمة الخليجية رقم 42 لدول مجلس لتعاون الخليجي التي انعقدت في الرياض يوم الثلاثاء الماضي 14 ديسمبر 2021 قمةً كغيرها من قمم دول مجلس التعاون منذ إنشائه في العام 1981، بل كانت هذه القمة التي يمكن وصفها بأنها قمة تاريخية، بحق، تعبيراً أميناً للإرادة الخليجية الموحدة التي بدأت تتشكل بملامح جديدة وواعدة منذ قمة العلا في بداية هذه السنة يناير الماضي2021.

اليوم ثمة متغيرات كبرى تتهدد المنطقة وثمة تحديات لإطلاق الطاقة الداخلية المتحدة والأكثر قوة لدول مجلس التعاون الخليجي على أكثر من صعيد حيوي.

لقد سبقت قمة الرياض 42 لدول مجلس التعاون الخليجي جولة مكوكية من طراز فريد قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان استغرقت خمسة أيام لكل من سلطنة عمان، الإمارات، قطر، البحرين، الكويت.

لعل ما يميز هذه الجولة التي كانت تمهيداً لعقد قمة الرياض الــ42 لدول مجلس التعاون الخليجي؛ أنها ابتدأت من العاصمة العمانية مسقط في دلالة واضحة للتأكيد على الدور الذي ظلت تلعبه سلطنة عمان والمكان الذي تحتله إلى جوار المملكة العربية السعوديين كدولتين خليجيتين كبريين، إلى جانب الاتفاقات والشراكات التي تم توقيعها، ولعل من أبرز المشاريع المشتركة بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان هو مشروع الطريق البري عبر الصحراء والرابط بين عمان والمملكة إلى جانب إنشاء مناطق صناعية مشتركة بين البلدين.

بيد أن الصفة التاريخية لهذه القمة تأتي اليوم من أنها سبقتها زيارات لكافة دول الخليج تمت عبرها شراكات في مجالات مختلفة، ثم جاءت القمة تتويجاً لوضع النقاط على الحروف في الكثير من الملفات الخليجية، والخليجية الإقليمية.

الوضع الإقليمي والدولي اليوم حيال منطقة الخليج لا يعكس أفقاً للاستقرار طويل الأمد، كما لا يعكس أي ضمانات أكيدة خارج الرهان على القوة الداخلية والتماسك الذاتي لدول الخليج في وجه التحديات الإقليمية والدولية.

يدرك قادة دول الخليج اليوم أكثر من أي وقت مضى أن ثمة علاقة شرطية بين السياسات الأمنية والدفاعية والعسكرية الموحدة لمواجهة أي تهديد خارجي، في الوقت الذي يدركون فيه أيضاً أن البنية الاقتصادية والصناعية والوحدة الجمركية والشراكات المختلفة ستفضي في المدى المتوسط إلى أن تكون تلك البنيات المشتركة للاتحاد الخليجي علامةً لمواطنية خليجية عابرة للحدود بين دول الخليج.

كما أن اعتبار أي اعتداء على دولة من الدول الخليجية الست هو اعتداء على الكل، تفعيلا للمادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك، هو تفعيل ضروري تقتضيه التحديات الأمنية التي تمر بها منطقة الخليج، وذلك يؤكد حقيقة الجدية الصارمة في الدفاع المشترك لأمن الخليج، فمهما بدت تلك الاتفاقيات الثنائية التي كانت تعقد بين دول الخليج كل على حدة مع دول العالم الكبرى، كان ثمة هاجس أمني كبير أمام تشابك المصالح الأمنية والحدودية والجيوسياسية لدول الخليج من أن تتأثر كثيراً حيال أي اهتزاز خطير لا سمح الله. ذلك أن عقد الشراكات الكبرى مع دول عالمية عبر المنظومة الخليجية هو الأجدر والأجدى والأكثر نفعاً نظراً للمصائر الجيوسياسية المشتركة لدول الخليج. ونعتقد أن الاتفاق على توحيد المواقف السياسية يجعل من وحدة السياسات الخليجية أكثر قدرة على التماسك الذي سيكون له ردود فعل جيدة في البلدان الأخرى. الشراكة الموحدة للمواقف في السياسات الخارجية لدول الخليج والالتزام بها سيكون فصلاً جديداً يودع به قادة الخليج ما شاب العلاقات البينية لبعض الوقت ويستقبلون بها أفقاً سياسياً يجعل من مواقف دول المنظومة الخليجية انعكاساً لإرادة واحدة في السياسات الخليجية التي تتصل بأمنه وتهدد استقراره. ثم إن اختيار الرياض مقراً دائماً لانعقاد القمم القادمة يشكل رمزاً للوحدة الخليجية من قلب الجزيرة العربية، ويؤسس لفهم جديد في مرحلة جديدة وحساسة من عمر الخليج والمنطقة.