بعيداً عن فرضيات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين إلا أن الواقع يؤكد أن واشنطن تمارس ضغوطاً على العديد من حلفائها وتسعى إلى تشكيل تحالفات جديدة في محاولة منها لكبح جماح النفوذ الصيني الأخذ بالتمدد والتوسع في مناطق عديدة من العالم.

واشنطن تواصل سياستها الرامية إلى حصار الصين في المحيطين الهادي والهندي عبر تعزيز تحالفاتها مع اليابان والهند وأستراليا إلى جانب دول شرق وجنوب شرق آسيا وخاصة كوريا الجنوبية وسنغافورة وفيتنام، علاوة على تحالفاتها التاريخية في منطقة الشرق الأوسط.

على الطرف الآخر تواصل بكين سياستها الناعمة في تشبيك وتربيط مصالح العديد من دول العالم مع مصالحها الاقتصادية، بحيث تمكنت من خلال هذه المصالح توطيد نفوذها الدولي وتهديد النفوذ الأمريكي وخاصة في مناطق شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى جانب صراعها الواضح مع واشنطن في شرق وجنوب شرق آسيا.

الصراع الأمريكي الصيني الواضح المعالم وضع العديد من دول العالم في زاوية حرجة، فغالبية الدول التي تقع في دائرة صراع النفوذ لديها علاقات مع الطرفين فهي ترى في الولايات المتحدة حليفاً عسكرياً وأمنياً تعتمد عليه في حمايتها وفي ذات الوقت ترى في بكين شريكاً اقتصادياً لا يمكن التخلي عنه.

الصراع أو التوتر أو الحرب الباردة بين أمريكا والصين (سمه ما شئت) يشكل صداعاً سياساً قوياً للدول ذات المصالح المشتركة مع الطرفين، حيث عملت بكين خلال العقد الماضي على الولوج بقوة إلى اقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ناهيك عن ارتباطها العضوي مع اقتصادات اسيوية مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا واليابان وغيرها من الدول الاسيوية الأخرى، وجميع هذه الدول لها ارتباطات عسكرية أمنية استراتيجية مع واشنطن.

الدول ذات المصالح المشتركة مع القطبين تحاول جاهدة مسك العصا من المنتصف، وعدم خسارة الحليف العسكري أو الشريك الاقتصادي، ولكن التساؤل الأهم هو مدى إمكانية مواصلة ممارسة سياسة النأي بالنفس وعدم إغضاب أي من الطرفين؟، وهل تزايد صراع النفوذ يسمح لهذه الدول بالبقاء في مقاعد المتفرجين دون اتخاذ موقف وانحياز واضح لأحد المعسكرين؟.

المنطق السياسي يقول إنه إذا ما تزايدت حدة الصراع ووصلت إلى مستويات جديدة فمن الطبيعي أن تلجأ واشنطن أو بكين إلى سياسة "معي أو ضدي"، وهذا ما تخشاه الكثير من الدول، التي عليها في ذلك الوقت الاختيار بين الاقتصاد أو الأمن، ولن يكون بمقدورها مواصلة مسك العصا من المنتصف.

بالمحصلة فإن الصراعات الدولية تمر مراحل عديدة وصولاً إلى مرحلة الذروة، وفي هذه المرحلة على الجميع أن يختار موقعه ومصالحه، لذلك على دول العالم وخاصة دول الشرق الأوسط أن تضع في اعتبارها أن الوقت ليس في مصلحتها وعليها التفكير جدياً في مرحلة "معي أو ضدي" وما هو القرار الأفضل لها.