‏غابت شمس 12 يناير 2017 على خير من كتب الشعر وَعلى أجمل شعور وإحساس وارتفعت روح ‎زعيم الشعر لبارئها معلنةً بداية حزن طويل على كل من عرف في ‎مساعد الرشيدي نقاء القلب وصفاء الروح. ليلة صعبة بالنسبة لكل من عرفه عن قرب ولمس فيه الطبية والموقف الرجولي الذي لا يقبل أنصاف الحلول.
بدأت علاقة مساعد الرشيدي المولود عام 1962 بالنشر في الإعلام المقروء (الصحافة) عبر صفحات مجلة النهضة الكويتية٬ وكان أخاه "بشير ربيّع" هو الذي يقوم بمراسلة المجلة عبر البريد من مدينة خميس مشيط جنوب السعودية٬ كما كان لمجلة اليمامة السعودية نصيبها من تلك القصائد٬ وفي هذا الصدد يؤكد الإعلامي والشاعر راشد بن جعيثن بأن أوّل قصائد مساعد الرشيدي وصلته عبر البريد عام 1397هـ ويضيف:

كانت نصوصه تنمّ عن موهبة فريدة وجديدة وقد نشرت أولى قصائده:
حلفت لا ما أقولها لك وأنا حيّ
إِلاّ إذا قلت إنسني قلت لك لا

ويمضي بن جعيثن في الحديث عن مساعد قائلاً: استمرّ بالتواصل بعد ذلك وكان في تطوّر ملحوظ يعكس مدى شغفه واهتمامه وثقافته وتشرّبه للألحان وإتقانه لها٬ بالإضافة لوعيه العميق وتميّز أسلوبه وأفكاره المبتكرة وصورة الجديدة٬ وقد بقي مساعد حتى وفاته وفيًّا لعلاقته مع مجلة اليمامة التي يعتبرها ركيزةً أساسية مهمة لنشر الثقافة والتنوير والوقوف ضد الأفكار المُنقرضة والبليدة والجامدة٬ وفي هذا السياق يقول مساعد:

"حاربوا اليمامة (الجماعة إيّاهم) عندما تدفّقت كنهر٬ وحاربوا نجومها لأنها باختصار -وللذين لم تتاح لهم الفرصة بمتابعة نجاحاتها- ضد أهدافهم"
أما علاقته مع الإعلام المرئي (التلفزيون) فبدأت بأوّل ظهور تلفزيوني للراحل مساعد الرشيدي عام 1982 -تقريبًا- عبر برنامج ديوانية شعراء النبط من إنتاج تلفزيون الكويت في لقاء أجراه الشاعر والصحافي القدير الأستاذ حمود البغيلي، وللأسف أن أغلب أرشيف التلفزيون الكويتي فُقد بعد الغزو العراقي الغاشم٬ بينما جاء ظهوره التلفزيوني الثاني عبر القناة السعودية الأولى من خلال قصيدة «رقصة الموت» كتبها بعد تحرير الكويت عام 1411هـ الموافق 1991 وهي القصيدة التي كانت سببًا في معرفته لزوجته وأم أبناءه

"بحسب رواية نجله فيصل"٬ حيث شاهدته لأوّل مرّة عبر شاشة التلفزيون السعودي يُلقي:
بشّري يا رياضنا بالسعد جدّة
أبشري في عزّتك وأبشري فينا
ليتم التعارف الذي أعقبه إعلان الزواج مباشرة ليُنجبا ثلاثة أبناء: فيصل٬ طلال٬ ثامر٬ وخمسة بنات: ريناد٬ ريتاج٬ ديالا٬ لمار.
وَعلى صعيد الأمسيات الشعرية٬ قد أقام مساعد الرشيدي أولى أمسياته بصحبة رفيق دربه الوفي نايف صقر في الجوف ومن المفارقات العجيبة أن آخر أمسية له كانت مع الصقر النايف في الكويت!

ليلتها قدّم ابن أخت نايف الورد لمساعد، وقام مساعد بتقديم درع لنايف في مشهد يندر أن نراه بين شاعرين في أمسية.. كان احتفاءً ووداعاً أسطورياً.
وفي إحدى اللقاءات الصحفية قال مساعد الرشيدي بأنه:
"لن يَمّر في ذهن الزمن مرور الكرام"
لم تكن عبارته تلك مجرد تصريح صحافي أو أمنية عابرة٬ بل كانت رهانًا حقيقيًا يتكىء على ثقة عالية بما أنجزه من قصائد عنوانها الأبرز إبداعٌ لا يُضاهى..
كيف لا.. وهو الذي لم يتردّد في أوّل حوار صحفي أجراه معه الإعلامي القدير عبدالرحمن بحير مُعد صفحة «سوالف ليل» الشهيرة بجريدة الرياضية، بأن يقول:
"أجمل قصائدي في سلة المهملات"!
ليكون المانشيت الرئيس لذلك اللقاء.
ولما لا يقولها؟
وهو الذي قال عنه الصحافي الراحل محمد الكثيري يرحمه الله:
"مساعد.. الشعر يمشي على الأرض"
كما قال عنه الأستاذ عثمان العمير:
"كان مساعد.. لحظة من الدهر البديع٬ ونهرٌ من الشعر لا ينضب"
وقد أشاد به الدكتور سعد البازعي قائلاً:
"مساعد الرشيدي لم يأتِ ليشابه الآخرين وإنما أتى ليؤسس لذائقة لغوية وفنية سيقلدها آخرون بعد ذلك"
وكتب عنه الدكتور فهد العرابي الحارثي قائلاً:
"‏‎مساعد الرشيدي هو نفسه كان (عصرا) شعريا استثنائياً، وكان هو السلطان المتوج لذلك العصر. وكان تاج جلالة السلطان مساعد الرشيدي هو إلهامه، ولا شيء غير إلهامه. جنّد لذلك الإلهام كل عفاريت الشعر وشياطينه.
‏بينما يراه هاشم الجحدلي "شاعرًا وإنسانا ومقاتلًا في معركة الحياة والقصيدة والجمال".
أمّا الإعلامي والشاعر راشد بن جعيثن فيقول:
"راهنت عليه ولم يخذلني.. بل إنه كان فوق ما أتصوّر".
نعم.. لقد فاق بموهبته تصوّرنا جميعًا٬ وأقل ما يمكن أن يُقال عن مساعد الرشيدي أنه "ظاهرة شعرية وكونية استثنائية فريدة تُشبه المُذنبات التي تمرّ بسرعة ولا تتكرر إلاّ مرة واحدة كل 500 عام".

- مسك الختام.. شيءٌ من شجن وجنون ودهشة عوالم زعيم الشعر المُخضّلة بفخامة الإحساس العابق بعذوبة الخيال وسحر البيان.. تأمّلوا قوله:

كل ما يكتب الماء كلمتين
عن شفاهك٬ ويتوضأ نهر!
يسجد الشعر لله ركعتين