اُبتُليت منطقتنا العربية منذ عقود بالمليشيات المسلحة الإجرامية التي لا تعرف سوى العنف والخروج على القانون سبيلاً لها، وهي في غالبيتها ليست سوى انعكاس وتفريخ لأجندة إقليمية موغلة في غيها وفكرها التوسعي المبني على عقدة "تصدير الثورة" وزعزعة استقرار المنطقة.

جماعة الحوثي تمثل اليوم أكثر هذه المليشيات تطرفاً وعسكرة بعد استيلائها على مقدرات دولة بأكملها بالتزامن مع تغاضي دولي عن كينونتها الإجرامية والتعامل معها من مبدأ سلطة الأمر الواقع، مما أعطاها نوعاً من المشروعية الزائفة.

جماعة الحوثي مثلها مثل حزب الله والحشد الشعبي خرجت من رحم إيران، ولطالما كانت هذه التنظيمات مجرد أوراق تستخدم لضرب المنطقة العربية وزعزعة استقرارها، فهذه الدولة قائمة على مبدأ رئيسي وهو "تصدير الثورة" عبر تأسيس ودعم كيانات تقوم بدلاً منها بالأعمال الخارجة على القانون الدولي.

الحوثيون وتحت أنظار العالم بأسره يتلقون دعماً تمويلياً وعسكرياً وتقنياً من إيران، وفي ذات الوقت تفاوض الدول الكبرى طهران على برنامجها النووي دون أن يتحدث أحد عن الإشكاليات الأكثر خطورة والمتمثلة بالأعمال التخريبية التي تقوم بها وببرنامجها للصواريخ البالستية وطائراتها المسيرة ودعمها لفصائل ومليشيات مسلحة خارج سيطرة القانون والدولة الوطنية.

العالم يمارس لعبة "غض الطرف" عن ممارسات طهران عبر ميليشياتها المسلحة وهي لعبة خطيرة يدفع ثمنها بشكل مباشر شعوب العراق ولبنان واليمن، وبشكل غير مباشر كافة شعوب المنطقة، فلا تنمية وازدهار بلا استقرار وعلاقات تحترم القوانين الدولية وسياسات حسن الجوار.

معضلة العالم العربي لن تنتهي ما دامت المليشيات تصول وتجول فيه، والرهان على تغيير سلوك النظام الإيراني رهان ليس في محله، فالمشكلة أعمق من كونها تكتيكات سياسية تستخدمها طهران بل هي عقيدة تمثل مشروعية النظام القائم، والتخلي عن هذه العقيدة يعني بالضرورة تخلي عن المشروعية، وهذا ما لا يمكن تصوره أو توقعه فلا نظام على وجه الكرة الأرضية قد يفكر مجرد تفكير بنزع مشروعيته تحت أي ظرف من الظروف.

باختصار مَن يضاعف ميزانية الحرس الثوري المسؤول عن العمليات الخارجية لتصل إلى 22 مليار دولار في العام الجاري ليس في نيته التراجع عن دعمه للمليشيات التابعة له.